والثالث: يعني تقربنا بالتوبة إليك من قولهم: ما له عند فلان هوادة , أي ليس له عنده سبب يقربه منه , قاله ابن بحر. {قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَآءُ} وفيه قولان: أحدهما: من أشاء من خلقي كما أصيب به قومك. الثاني: من أشاء في التعجيل والتأخير. {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} فيها ثلاثة تأويلات: أحدها: أن مخرجها عام ومعناها خاص , تأويل ذلك: ورحمتي وسعت المؤمنين بي من أمة محمد صلى الله عليه وسلم لقوله تعالى {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} الآية قاله ابن عباس. والثاني: أنها على العموم في الدنيا والخصوص في الآخرة , وتأويل ذلك: ورحمتي وسعت في الدنيا البر والفاجر , وفي الآخرة هي للذين اتقوا خاصة , قاله الحسن , وقتادة. والثالث: أنها التوبة , وهي على العموم , قاله ابن زيد. {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ} فيه قولان: أحدهما: يتقون الشرك , قاله ابن عباس. والثاني: يتقون المعاصي , قاله قتادة. {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} فيها قولان: أحدهما: أنها زكاة أموالهم لأنها من أشق فرائضهم , وهذا قول الجمهور. والثاني: معناه أي يطيعون الله ورسوله , قاله ابن عباس والحسن , وذهبا إلى أنه العمل بما يزكي النفس ويطهرها من صالحات الأعمال. فأما المكنّى عنه بالهاء التي في قوله:{فَسَأَكْتُبُهَا} فقد قيل إن موسى لما انطلق بوفد بني إسرائيل كلّمه الله وقال: إني قد بسطت لهم الأرض طهوراً ومساجد يصلون فيها حيث أدركتهم الصلاة إلا عند مرحاض أو قبر أو حمّام , وجعلت السكينة في قلوبهم , وجعلتهم يقرؤون التوراة عن ظهر ألسنهم , قال فذكر موسى ذلك لبني إسرائيل , فقالوا لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا فاجعلها لنا في تابوت , ولا نقرأ التوراة إلا نظراً , ولا نصلي إلا في السكينة , فقال الله تعالى {فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} يعني ما مضى من السكينة والصلاة والقراءة , ثم بيَّن من هم فقال: