قال عبد الله بن محمد بن عقيل: وأصابهم يوماً عطش شديد فجعلوا ينحرون إبلهم ويعصرون أكراشها فيشربون ماءها , قال عمر بن الخطاب فأمطر الله السماء بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم فغشينا. وفي هذه التوبة من الله على النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين والأنصار وجهان محتملان: أحدهما: استنقاذهم من شدة العسر. والثاني: أنها خلاصهم من نكاية العدوّ. وعبر عن ذلك بالتوبة وإن خرج عن عرفها لوجود معنى التوبة فيه وهو الرجوع إلى الحالة الأولى. {مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ} فيه وجهان: أحدهما: تتلف بالجهد والشدة. والثاني: تعدِل عن الحق في المتابعة والنصرة , قاله ابن عباس. {ثُمَّ تَابَ عَلَيهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ} وهذه التوبة غير الأولى , وفيها قولان: أحدهما: أن التوبة الأولى في الذهاب , والتوبة الثانية في الرجوع. والقول الثاني: أن الأولى في السفر , والثانية بعد العودة إلى المدينة. فإن قيل بالأول , أن التوبة الثانية في الرجوع , احتملت وجهين: أحدهما: أنها الإذن لهم بالرجوع إلى المدينة. الثاني: أنها بالمعونة لهم في إمطار السماء عليهم حتى حيوا , وتكون التوبة على هذين الوجهين عامة. وإن قيل إن التوبة الثانية بعد عودهم إلى المدينة احتملت وجهين: أحدهما: أنها العفو عنهم من ممالأة من تخلف عن الخروج معهم. الثاني: غفران ما همَّ به فريق منهم من العدول عن الحق , وتكون التوبة على هذين الوجهين خاصة.