ولو لم يترجح للمجتهد أحد الحكمين، ولا غلب في نفسه أحد المعنيين لتكافؤ الأمارات عنده، فقيه للعلماء مذهبان:
أحدهما: أن يكون مخيراً، للعمل في العمل على أيهما شاء.
والضرب الثاني: أن يأخذ بأغلظ المذهبين حكماً.
والضرب الثاني من اختلاف المعنيين: ألا يتنافيا ويمكن الجمع بينهما فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يتساويا، ولا يترجح أحدهما على الآخر بدليل، فيكون المعنيان معاً مرادين، لأن الله تعالى لو أراد أحدهما النصب على مراده منهما دليلاً، وإن جاز أن يريد كل واحد من المعنيين بلفظين متغايرين لعدم التنافي بينهما، جاز أن يريدهما بلف واحد، يشتمل عليهما، ويكون ذلك أبلغ في الإعجاز والفصاحة.
والضرب الثاني: أن يترجح أحدهما على الآخر بدليل، وهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون دليلاً على بطلان أحد المعنيين، فيسقط حكمهن ويصير المعنى الآخر هو المراد، وحكمه هو الثابت.
والضرب الثاني: أن يكون دليلاً على صحة أحد المعنيين فيثبت حكمه ويكون مراداً ولا يقتضي سقوط المعنى الآخر، ويجوز أن يكون مراداً، وإن لم يكن عليه دليل، لأن موجب لفظه دليل، فاستويا في حكم اللفظ، وإن ترجح أحدهما بدليل، فصارا مرادين معاً.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المعنى الذي يرجح بدليل أثبت حكماً من المعنى الذي تجرد عنه ولقوته بالدليل الذي ترجح به، فهذا أصل يعتبر [من] وجود التفسير، ليكون ما احتمله ألفاظ القرآن من اختلاف المعاني محمولاً عليه، فيعلم ما يؤخذ به ويعدل عنه.
فإن قيل: فقد ورد الخبر بما يخالف هذا الأصل المقرر، وهو ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: " ما نزل القرآن من آية إلا لها ظهر وبطن ولكل حرف