أحدهما أنه ظل الجبال. الثاني: أنه ما فيها من غار أو شَرَف. {وجعل لكم سرابيل تقيكم الحرّ} يعني ثياب القطن والكتان والصوف. {وسرابيل تقيكم بأسكم} يعني الدروع التي تقي البأس , وهي الحرب. قال الزجاج: كل ما لبس من قميص ودروع فهو سربال. فإن قيل: فكيف قال: {وجعل لكم من الجبال أكناناً} ولم يذكر السهل وقال {تقكيم الحر} ولم يذكر البرد؟ فعن ذلك ثلاثة أجوبة: أحدها: أن القوم كانوا أصحاب جبال ولم يكونوا أصحاب سهل , وكانوا أهل حر ولم يكونوا أهل برد , فذكر لهم نعمه عليه مما هو مختص بهم , قاله عطاء. الثاني: أنه اكتفى بذكر احدهما عن ذكر الآخر , إذ كان معلوماً أن من اتخذ من الجبال أكناناً اتخذ من السهل , واسرابيل التي تقي الحر تقي البرد , قاله الفراء , ومثله قول الشاعر:
(وما أدري إذا يممتُ أرضاً ... أريد الخير أيهما يليني.)
فكنى عن الشر ولم يذكره لأنه مدلول عليه. الثالث: أنه ذكر الجبال لأنه قدم ذكر السهل بقوله تعالى: {والله جعل لكم من بيوتكم سكناً} وذكر الحرَّ دون البرد تحذيراً من حر جهنم وتوقياً لاستحقاقها بالكف عن المعاصي. {كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون} أي تؤمنون بالله إذا عرفتم نعمه عليكم. وقرأ ابن عباس {لعلكم تسلمون} بفتح التاء أي تسلمون من الضرر , فاحتمل أن يكون عنى ضرر الحر والبرد واحتمل أن يكون ضرر القتال والقتل , واحتمل أن يريد ضرر العذاب في الآخرة إن اعتبرتم وآمنتم. قوله عز وجل:{يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها} فيه خمسة تأويلات: