للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: تحذيراً من المخالفة. ثم أعاد الله تعالى تأكيد أمره , ليخرج من قلوبهم ما استعظموه من تحويلهم إلى غير ما أَلِفُوه , فقال: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} فأفاد كل واحد من الأوامر الثلاثة مع استوائها في التزام الحكم فائدة مستجده: أما الأمر الأول فمفيد لنسخ غيره , وأما الأمر الثاني فمفيد لأجل قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ} أنه لا يتعقبه نسخ. وأما الأمر الثالث فمفيد أن لا حجة عليهم فيه , لقوله: {لِئَلَاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ}. ثم قال تعالى: {إِلَاّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمُ} ليس يريد أن لهم عليكم حجة. وفيه قولان: أحدهما: أن المعنى , ولكن الذين ظلموا قد يحتجون عليكم بأباطيل الحجج , وقد ينطلق اسم الحجة على ما بطل منها , لإقامتها في التعلق بها مقام الصحيح حتى يظهر فسادها لمن علم , مع خفائها على من جهل , كما قال تعالى {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ} فَسَمَّاهَا حجة , وجعلها عند الله دَاحِضَةْ. والقول الثاني: أن المعنى لِئَلَاّ يكون للناس عليكم حُجَّةٌ بعد الذين ظلموا , فتكون (إلاّ) بمعنى (بعد)] كما قيل في قوله تعالى: {وَلَا تَنكَحُوا مَا نَكَحَءَابَاءُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَاّ مَا قَدْ سَلَفَ} [النساء: ٢٢] أي بعدما قد سلف. وكما قيل في قوله تعالى: {لَا يَذُوقُونَ فِيهَا المَوتَ إِلَاّ المَوتَةَ الأولى} [الدخان: ٥٦] أي بعد الموتة الأولى. وأراد بالذين ظلموا قريشاً واليهود , لقول قريش حين استقبل الكعبة: قد علم أننا على هُدًى , ولقول اليهود: إن رَجَعَ عنها تابعناه. {فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَونِي} في المخالفة {وَلأُتِمَّ نِعْمَتي عَلَيْكُمْ} يحتمل وجهين: أحدهما: فيما هديناكم إليه من القبلة. والثاني: ما أعددته لكم من ثواب الطاعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>