فذهب أبو حنيفة على أنّ السعي بين الصفا والمروة غير واجب في الحج والعمرة منسكاً بأمرين: أحدهما: قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} ورفع الجناح من أحكام المباحات دون الواجبات. والثاني: أن ابن عباس وابن مسعود قَرَء: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لَاّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. وذهب الشافعي , ومالك , وفقهاء الحرمين , إلى وجوب السعي في النسكين تمسكاً بفحوى الخطاب ونص السنة , وليس في قوله:{فَلَا جُنَاحَ} دليل على إباحته دون وجوبه , لخروجه على سبب , وهو أن الصفا كان عليه في الجاهلية صنم اسمه إساف , وعلى المروة صنم اسمه نائلة , فكانت الجاهلية إذا سعت بين الصفا والمروة طافوا حول الصفا والمروة تعظيماً لإساف ونائلة , فلما جاء الإسلام وألغيت الأصنام تَكَرَّهَ المسلمون أن يُوَافِقُوا الجاهلية في الطواف حول الصفا والمروة , مجانبةً لما كانوا عليه من تعظيم إساف ونائلة , فأباح الله تعالى ذلك لهم في الإسلام لاختلاف القصد فقال:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا}. وأما قراءة ابن مسعود , وابن عباس:{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن لَاّ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} , فلا حجة فيها على سقوط فرض السعي بينهما لأن (لا) صلة في الكلام إذا تقدمها جَحْد , كقوله تعالى:{مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ}[الأعراف: ١٢] بمعنى ما منعك أن تسجد , وكما قال الشاعر:
(ما كان يرضى رسول الله فعلهم ... والطيبان أبو بكر ولا عُمَرُ)
{وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً} فيه ثلاثة أقاويل: أحدها: ومن تطوع بالسعي بين الصفا والمروة , وهذا قول مَنْ أسقط وجوب السعي. والثاني: ومن تطوع بالزيادة على الواجب , وهذا قول من أوجب السعي. والثالث: ومن تطوع بالحج والعمرة بعد أداء فرضهما.