واحتمل وصفها بالبركة وجهين: أحدهما: لأن الله كلم فيها موسى وخصه فيها بالرسالة. الثاني: أنها كانت من بقاع الخصب وبلاد الريف. ثم قال تعالى:{مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} فأحل الله كلامه في الشجرة حتى سمعه موسى منها , لأنه لا يستطيع أن يسمعه من الله وهذه أعلى منازل الأنبياء أن يسمعوا كلام الله من غير رسول مبلغ وكان الكلام مقصوراً على تعريفه بأنه الله رب العالمين إثباتاً لوحدانيته ونفياً لربوبية غيره , وصار بهذا الكلام من أصفياء الله من رسله لأنه لا يصير رسولاً إلا بعد أمره بالرسالة , والأمر بها إنما كان بعد هذا الكلام. فإن قيل: فكيف أضاف البركة إلى البقعة دون الشجرة والشجرة بالبركة أخص لأن الكلام عنها صدر ومنها سُمِعَ؟ قيل: عنه جوابان: أحدهما: أن الشجرة لما كانت في البقعة أضاف البركة إلى البقعة لدخول الشجرة فيها ولم يخص به الشجرة فتخرج البقعةوصار إضافتها إلى البقعة أعم. الثاني: أن البركة نفذت من الشجرة إلى البقعة فصارت البقعة بها مباركة فلذلك خصّها الله بذكر البركة , قاله ابن عباس , والشجرة هي العليق وهي العوسج. قوله تعالى:{وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ ... } الآية وإنما أمره بإلقاء عصاه في هذا الحال ليكون برهاناً عنده بأن الكلام الذي سمعه كلام الله ثم ليكون برهاناً له إلى من يرسل إليه من فرعون وملئه. فإن قيل: فإذا كانت برهاناً إليه وبرهاناً له فلم ولَّى منها هارباً؟ قيل لأمرين: أحدهما: رأى ما خالف العادة فخاف. الثاني: أنه يجوز أن يظن الأمر بإلقائها لأجل أذاها فولَّى هارباً حتى نودي فعلم. { ... ولَمْ يُعَقِّبْ} فيه وجهان: أحدهما: ولم يثبت , اشتقاقاً من العقب الذي يثبت القدم.