وأما (الرحمن الرحيم) , فهما اسمان من أسماء الله تعالى , والرحيم فيها اسم مشتق من صفته. وأما الرحمن ففيه قولان: أحدهما: أنه اسم عبراني معرب , وليس بعربي , كالفسطاط رومي معرب , والإستبرق فارسي معرب , لأن قريشاً وهم فَطَنَةُ العرب وفُصَحَاؤهم , لم يعرفوهُ حتى ذكر لهم , وقالوا ما حكاه الله تعالى عنهم: { ... وَمَا الرَّحْمنُ أَنَسْجُدُ لِمَا تَأْمُرُنَا وَزَادَهُمْ نُفُوراً} [الفرقان: ٦٠] , وهذا قول ثعلب واستشهد بقول جرير:
(أو تتركون إلى القسّين هجرتكم ... ومسحكم صلبهم رحمن قربانا)
قال: ولذلك جمع بين الرحمن والرحيم , ليزول الالتباس , فعلى هذا يكون الأصل فيه تقديم الرحيم على الرحمن لعربيته , لكن قدَّم الرحمن لمبالغته. والقول الثاني: أن الرحمن اسم عربي كالرحيم لامتزاج حروفهما , وقد ظهر ذلك في كلام العرب , وجاءت به أشعارهم , قال الشنفري:
(أَلَا ضَرَبَتْ تِلْكَ الْفَتَاةُ هَجِينَهَا ... أَلَا ضَرَبَ الرًّحْمنُ رَبِّي يَمِينَهَا)
فإذا كانا اسمين عربيين فهما مشتقان من الرحمة , والرحمة هي النعمة على المحتاج , قال الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: ١٠٧] , يعني نعمةً عليهم , وإنما سميت النعمةُ رحمةً لحدوثها عن الرحمة. والرحمن أشدُّ مبالغةً من الرحيم , لأن الرحمن يتعدى لفظه ومعناه , والرحيم