الناس كانوا إذا أحرموا لم يدخلوا حائطاً من بابه , فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم داراً , وكان رجل من الأنصار يقال له رفاعة بن أيوب , فجاء فتسور الحائط على رسول الله , فلما خرج من باب الدار خرج رفاعة , فقال رسول الله: (مَا حَمَلَكَ عَلَى ذلِكَ؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ رَأَيْتُكَ خَرَجْتَ مِنْهُ فَخَرَجْتُ مِنْهُ , فَقَالَ رَسُولُ اللهٍ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّمَ: إنّي رَجُلٌ أَحْمَسُ فَقَالَ: إِنْ تَكُنْ أَحْمَسَ فَدِيْنُنَا وَاحِدٌ) فأنزل الله تعالى: {لَيْسَ البِرُّ} الآية , وهذا قول ابن عباس , وقتادة , وعطاء , وقوله: أحمس يعني من قريش , كانوا يُسَمَّونَ (الحُمْسَ) لأنهم تحمسوا في دينهم أي تشددوا , والحَمَاسَةُ الشدة , قال العجاج:
٨٩ (وكمْ قَطَعْنا مِنْ قِفافٍ حُمْسِ} ٩
أي شداد. والقول الثاني: عنى بالبيوت النساء , سُمِّيَتْ بيوتاً للإيواء إليهن , كالإيواء إلى البيوت , ومعناه: لا تأتوا النساء من حيث لا يحل من ظهورهن , وأتوهن من حيث يحل من قُبُلهن , قاله ابن زيد. والثالث: أنه في النسيء وتأخير الحج به , حين كانوا يجعلون الشهر الحلال حراماً بتأخير الحج , والشهر الحرام حلالاً بتأخير الحج عنه , ويكون ذكر البيوت وإتيانها من ظهورها مثلاً لمخالفة الواجب في الحج وشهوره , والمخالفة إتيان الأمر من خلفه , والخلف والظهر في كلام العرب واحد , حكاه ابن بحر. والرابع: أن الرجل كان إذا خرج لحاجته , فعاد ولم ينجح لم يدخل من بابه , ودخل من ورائه , تطيراً من الخيبة , فأمرهم الله أن يأتوا بيوتهم من أبوابها. والخامس: معناه ليس البر أن تطلبوا الخير من غير أهله , وتأتوه من غير بابه , وهذا قول أبي عبيدة.