{فَمَا فَوْقَهَا} فيه تأويلان: أحدهما: فما فوقها في الكبر , وهذا قول قتادة وابنِ جُريجٍ. والثاني: فما فوقها في الصغر , لأن الغرض المقصود هو الصغر. وفي المثل ثلاثة أقاويل: أحدها: أنه وارد في المنافقين , حيث ضَرَبَ لهم المَثَلَيْنِ المتقدِّمين: مثَلَهُمْ كمثل الذي استوقد ناراً , وقوله: أو كصيِّب من السماء , فقال المنافقون: إن الله أعلى مِنْ أن يضرب هذه الأمثال , فأنزل الله تعالى:{إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} , وهذا قول ابن مسعود وابن عباس. والثاني: أن هذا مثلٌ مبتدأ ضَرَبَهُ الله تعالى مثلاً للدنيا وأهلها , وهو أن البعوضة تحيا ما جاعت , وإذا شبعت ماتت , كذلك مثل أهل الدنيا , إذا امتلأوا من الدنيا , أخذهم الله تعالى عند ذلك , وهذا قول الربيع بن أنس. والثالث: أن الله عز وجل حين ذكر في كتابه العنكبوت والذباب وضربهما مثلاً , قال أهل الضلالة: ما بال العنكبوت والذباب يذكران , فأنزل الله تعالى هذه الآية , وهذا قول قتادةَ , وتأويل الربيع أحسن , والأولُ أشبَهُ. قوله عز وجل:{يُضِلُّ بِهِ كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً} فيه ثلاثةُ تأويلات: أحدها: معناه بالتكذيب بأمثاله , التي ضربها لهم كثيراً , ويهدي بالتصديق بها كثيراً. والثاني: أنه امتحنهم بأمثاله , فَضَلَّ قوم فجعل ذلك إضلالاً لهم , واهتدى قوم فجعله هدايةً لهم. والثالث: أنه إخبار عمَّنْ ضلَّ ومن اهتدى. قوله عز وجل:{الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ}.