للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

جوابهم هذا , هل هو على طريق الاستفهام أو على طريق الإيجاب؟ على وجهين: أحدهما: أنهم قالوه استفهماً واستخباراً حين قال لهم: إني جاعلٌ في الأرض خليفة , فقالوا: يا ربنا أَعْلِمْنَا , أجاعل أنت في الأرض من يُفْسِدُ فيها ويسفك الدماء؟ فأجابهم: إني أعلم ما لا تعلمون , ولم يخبرهم. والثاني: أنه إيجاب , وإن خرجت الألف مَخْرج الاستفهام , كما قال جرير:

(أَلَسْتُمْ خَيْرَ مَنْ رَكِبَ الْمَطَايا ... وَأَنْدَى الْعَالَمِينَ بُطُونَ رَاحِ)

وعلى هذا الوجه في جوابهم بذلك قولان: أحدهما: أنهم قالوه ظناً وتوهُّماً , لأنهم رأوا الجن من قبلهم , قد أفسدوا في الأرض , وسفكوا الدماء , فتصوروا أنه إن استخلف استخلف في الأرض مَنْ يُفْسِدُ فيها ويَسْفِكُ الدماء. وفي جوابهم بهذا وجهان: أحدهما: أنهم قالوه استعظاماً لفعلهم , أي كيف يفسدون فيها , ويسفكون الدماء , وقد أنعمت عليهم واستخلفتهم فيها فقال: إني أعلم ما لا تعلمون. والثاني: أنهم قالوه تعجباً من استخلافه لهم أي كيف تستخلفهم في الأرض وقد علمت أنهم يفسدون فيها ويسفكون الدماء فقال: {إني أعلم ما لا تعلمون}. وقوله: {وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} السفك صب الدم خاصةً دون غَيْرِهِ من الماء والمائع , والسفح مثله , إلا أنه مستعمل في كل مائع على وجه التضييع , ولذلك قالوا في الزنى: إنه سفاح لتضييع مائه فيه. قوله عز وجل: {وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ}. والتسبيح في كلامهم التنزيه من السوء على جهة التعظيم , ومنه قول أعشى بني ثعلبة:

<<  <  ج: ص:  >  >>