فإن قيل: المؤمن به هو الله تعالى لقوله: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ)
فالمكفور به يكون هو الله أيضا، ويؤيده قوله تعالى:(كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ)
وإذا ثبت هذا فكيف قال:(وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ)
مع أنه لا يصح أن يقال: آمن بالإيمان فكذلك ضده؟
قلنا: المراد به ومن يرتد عن الإيمان، يقال كفر فلان بالإسلام إذا ارتد عنه، فكفر بمعنى ارتد، لأن الردة نوع من الكفر، والباء
بمعنى عن كما في قوله تعالى:(سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ)
وقوله تعالى:(فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا)
وقيل: المراد هنا بالإيمان المؤمن به تسمية للمفعول بالمصدر، كما في قوله تعالى:(أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ)
أى مصيده، وقولهم ضرب الأمير ونسج اليمن.
* * *
فإن قيل: كيف قال: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) ولم يقل وعملوا السيئات، مع أن الغفران يكون لفاعل السيئات لا لفاعل الحسنات؟
قلنا: كل أحد لا يخلوا عن سيئة صغيرة أو كبيرة، وإن كان ممن يعمل الصالحات، وهى الطاعات فالمعنى أن من آمن وعمل الحسنات
غفرت له سيئاته، كما قال:(إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ) .