للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التفسير وبخشوع وتدبر.

ومن ذكر الموت زيارة القبور للرجال، ورؤية المحتضرين، وغسل الموتى، كل ذلك يحيي القلب، ويلين ما فيه من القسوة.

والسلف الصالح يعي ذلك جيدًا، وقصصهم في ذلك كثيرة؛ قال سعيد بن جبير -رحمه الله-: "لو فارق ذكر الموت قلبي لخشيت أن يفسد علي" أي قلبه. معنى ذلك أن الموت ملازم لقلبه، يذكره في كل أحواله. وكان صفوان بن سليم يأتي البقيع، فيمر بمحمد بن صالح التمار، فتبعه في ذات يوم، فقال محمد: فقلت في نفسي سأنظر ما يصنع، فجاء صفوان على قبر من القبور في البقيع، فلم يزل يبكي حتى رحمته من كثرة البكاء، وظننت أنه قبر بعض أهله، فهو يأتي لزيارته، ويتذكر هذا القريب الحبيب فيبكي ويرق لذلك، يقول: ومر به مرة أخرى فتتبعته ففعل مثل ذلك فذكرت ذلك لمحمد بن المنكدر فقال: "كلهم أهله وإخوته إنما هو رجل يحرك قلبه بذكر الأموات كلما عرضت له قسوة".

(٤) مجاهدة النفس بشكل مستمر، فإن النفس أمارة بالسوء، وزجرها عن الوقوع في الزلل ووسوسة الشيطان، عن طريق تربية القلب على الإخبات والخوف والمحبة والخشية، والمجاهدة والصبر واليقين، وما إلى ذلك من المعاني. وعلى المسلم ألا يثق بالنفس، وأن يبعد عن الشعارات المنادية بالثقة بالنفس، وأن يستبدلها بالثقة بالله الرحمن الذي بيده مقاليد السموات والأرض، كما أن مكابدة النفس هي من الجهاد.

يقول ابن المنكدر -رحمه الله- وهو من علماء التابعين-: "كابدت نفسي أربعين سنة حتى استقامت لي". ويقول أبو حفص النيسابوري -رحمه الله-: "حرست قلبي عشرين سنة، ثم حرسني عشرين سنة".

<<  <   >  >>