أساليبهم بعد التحدّي. ولو أن العلوم سلبت منهم فلماذا لم يلجئوا إلى كلام فصحائهم من القدماء الذين لم يحضروا عصر التنزيل ولم تسلب منهم العلوم، فيأتوا بقطعة شعرية أو خطبة محفلية فيعارضوا بها القرآن؟ ولماذا لم ينطقوا بهذا السلب ويشيعوا بأنهم سلبوا علومهم فلا يقدرون على معارضة القرآن؟.
ولا يقال إن ذلك سيكون حجة عليهم ملزمة لهم لتصديقه، لأن باب الافتراء كان مفتوحا عندهم، فكانوا يستطيعون أن يدّعوا أن علومهم سلبت بطريق السحر كما افتروا إن تأثير القرآن على الأنفس إنما هو من قبيل السحر.
إن الذين ادعوا أن إعجاز القرآن كان بسلب العلوم، يثبتون للعرب قدرة هم لم يدعوها لأنفسهم، بل جاء على لسان أهل البيان منهم ما ظهر الحق عليه من غير إرادة منه (ما يقول هذا بشر).
وإن كان القرآن غير معجز بشيء ذاتي فيه، وإنما لم يعارضه العرب لصرف دواعيهم عن المعارضة أو لسلب العلوم منهم، فهل أحس النّظّام والمرتضى بما وصفوا العرب به من صرف وسلب؟ فلماذا لم يأتيا بمعارضة للقرآن، وكان النّظّام من الأذكياء الماهرين كما يشهد له تلميذه الجاحظ، والمرتضى مشهود له أنه كان من فرسان البلاغة والبيان؟.
إننا نقول إن تحدّي القرآن وإثبات العجز للناس ليس مقتصرا على عهد النبوة فقط بل هذا التحدّي قائم، وهذا العجز من البشر ثابت إلى قيام الساعة. فمن قال بالصرفة فليحاول هو، وهل يحسّ بشيء من الصرف أو السلب في نفسه؟.
إن استعظام العرب لفصاحة القرآن وبلاغته وتعجبهم من ذلك لهو دليل على بطلان الصرفة، فلو كانوا مصروفين عن المعارضة بنوع من الصرف لكان تعجبهم للصرف لا للبيان المعجز. ولو كان هنالك سلب علومهم لكان الفرق بين كلامهم بعد التحدّي وكلامهم قبله كالفرق بين