للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

..............................................................................


الوجه السادس: جاء في أصول الحنفية أن الفرض: ما ثبت بدليل قطعي الثبوت،
قطعي الدلالة. فإذا لم يوجد أحد الشرطين؛ لم يثبت الفرض، بل يثبت به الواجب
عندهم. والذي يهمنا في هذا المقام انتفاء الشرط الثاني.
ومن الأمثلة على ذلك: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} . فقد أمر تعالى
بالنحر، فهو بظاهره يفيد فرضية النحر، ولكنَّ العلماء المفسرين اختلفوا في هذا النحر؛
فذهب بعضهم إلى أنه نحر مطلق؛ شكراً لله على ما أعطاه من الخير الكثير، وذهب
آخرون إلى أنه النحر في عيد الأضحى؛ بدليل قوله تعالى: {فَصَلِّ} ؛ أي: صلاة
العيد. وبهذا قال الحنفية؛ فأوجبوا النحر في عيد الأضحى، ولم يقولوا بفرضيته؛ لهذا
الاختلاف الذي جعل مفهوم الآية ظني الدلالة، لا قطعيَّها.
وبناء عليه نقول: إن قوله تعالى: {فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ القُرْآنِ} . هو ظني الدلالة؛
لما سبق - مع أن الصحيح خلاف ما فهم الحنفية -، فلا يستقيم حينئذٍ الاحتجاج بها
على فرضية القراءة؛ بل تدل على وجوبها، فقد سلمت الآية من التعارض مع الحديث،
ووجب الأخذ به على ظاهره، وهم لم يأخذوا به؛ خشية التعارض، وهو الذي دفعهم
إلى تأويله بأن المراد به: نفي الكمال - كما سبق -. وقد قال أبو الحسن السندي الحنفي
في " حاشيته على ابن ماجه ":
" وأما الكمال؛ فقد حقّق الكمالُ (*) ضعفَه؛ لأنه مخالف، لا يصار إليه إلا بدليل،
والوجود في كلام الشارع يحمل على الوجود الشرعي؛ دون الحسي. فمؤدى الحديث
نفي الوجود الشرعي للصلاة، التي لم يقرأ فيها بـ: {فاتحة الكتاب} ؛ فتعين نفي
الصحة. وما قاله أصحابنا أنه من حديث الآحاد - وهو ظني، لا يفيد العلم؛ وإنما يوجب
الفعل -؛ فلا يلزم منه الافتراض.

<<  <  ج: ص:  >  >>