للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

..............................................................................


فالآية دالة على أمر المأموم بالإنصات لقراءة الإمام، والمنازع يسلم بذلك إلا في
{الفَاتِحَة} ، والآية أمرت بالإنصات إذا قرئ القرآن، و {الفَاتِحَة} : أم القرآن، وهي التي
لا بد من قراءتها في كل صلاة، وهي أفضل سور القرآن، وهي التي لم ينزل في التوراة،
ولا في الإنجيل، ولا في الزبور، ولا في الفرقان مثلها؛ فيمتنع أن يكون المراد بالآية
الاستماع إلى غيرها دونها، مع إطلاق لفظ الآية وعمومها، مع أن قراءتها أكثر وأشهر.
والعادل عن استماعها إلى قراءتها، إنما يعدل لكون قراءتها أفضل من الاستماع،
وهذا غلط مخالف للنص والإجماع؛ فإن الكتاب والسنة أمرت المؤتم بالاستماع دون
القراءة، والأمة متفقة على أن استماعه لما زاد على {الفَاتِحَة} أفضل من قراءة ما زاد
عليها. فلو كانت القراءة لما يقرؤه الإمام أفضل من الاستماع لقراءته؛ لكان قراءة المأموم
أفضل من قراءته لما زاد على {الفَاتِحَة} .
وهذا لم يقله أحد، وإنما نازع من نازع في {الفَاتِحَة} ؛ لظنه أنها واجبة على المأموم،
أو مستحبة.
وجوابه؛ أن المصلحة الحاصلة له بالقراءة يحصل بالاستماع ما هو أفضل منها؛
بدليل استماعه لما زاد على {الفَاتِحَة} ، فلولا أنه يحصل له بالاستماع ما هو أفضل من
القراءة؛ لكان الأولى أن يفعل أفضل الأمرين وهو: القراءة. فلما دلَّ الكتاب والسنة،
والإجماع على أن الاستماع أفضل من القراءة؛ [دل] على أن المستمع يحصل له أفضل
مما يحصل للقارئ، وهذا المعنى موجود في {الفَاتِحَة} وغيرها، وحينئذٍ فلا يجوز أن يؤمر
بالأدنى، ويُنهى عن الأعلى، وثبت أنه في هذه الحال قراءة الإمام له قراءة؛ كما قال
ذلك جماهير السلف والخلف من الصحابة، والتابعين لهم بإحسان، وفي ذلك الحديث
المعروف عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:
" من كان له إمام؛ فقراءة الإمام له قراءة ".

<<  <  ج: ص:  >  >>