احتجم، وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ؛ فصلى خلفه أبو يوسف، ولم يُعِدْ. وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرُّعاف. فقيل له: " فإن كان الإمام قد خرج منه الدم، ولم يتوضأ؛ فصلى خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك؟! ". وبالجملة؛ فهذا المذهب الذي ذهب إليه أبو بكر الرازي الحنفي، وأبو بكر القفال - خلافاً للمشهور من مذهبهما - هو الصواب، وهو مذهب مالك وأحمد؛ وذلك لأمرين: الأول: أن القول بخلافه بدعة في الدين؛ لم يقل به أحد من السلف الصالح رضي الله عنهم - كما سبق -. وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: " اتبعوا ولا تبتدعوا؛ فقد كُفيتم، عليكم بالأمر العتيق ". فالأمر العتيق هو هذا. الثاني: قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " يصلون بكم، فإن أصابوا؛ فلكم ولهم، وإن أخطؤوا؛ فلكم وعليهم ". أخرجه البخاري (٢/١٤٩) ، وأحمد (٢/٣٥٥) واللفظ له. قال ابن المنذر: " هذا الحديث يرد على من زعم أن صلاة الإمام إذا فسدت؛ فسدت صلاة من خلفه ". كذا في " الفتح " (٢/١٤٩) . وقال شيخ الإسلام في " الفتاوى " (٢/٣٨١) : " فقد بين صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن خطأ الإمام لا يتعدى إلى المأموم، ولأن المأموم يعتقد أن ما فعله الإمام سائغ له، وأن لا إثم عليه فيما فعل؛ فإنه مجتهد، أو مقلد مجتهد، وهو يعلم أن هذا قد غفر الله له خطأه؛ فهو يعتقد صحة صلاته، وأنه لا يأثم إذا لم يُعِدْها، بل لو حكم بمثل هذا؛ لم يجُزْ له نقض حكمه؛ بل كان ينفذه.