للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولذلك قال الإمام الشافعي في الرسالة: "فقال لي قائلٌ: احْدُدْ لي أقلَّ ما تقوم به الحجةُ على أهل العلم حتى يثبتَ عليهم خبرُ الخاصة، فقلت: خبر الواحد عن الواحد حتى يُنتهَى به إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - أو من انتُهِيَ بِه إليه دونه. ولا تقوم الحجة بخبر الخاصة حتى يجمع أمورًا، منها: أن يكون من حدث به ثقةً في دينه، معروفًا بالصدق في حديثه، عاقلًا لما يحدث، عالمًا بما يُحيل معانيَ الحديث من اللفظ. وأن يكون ممن يؤدي الحديث بحروفه كما سمع، لا يحدث به على المعنى، لأنه إذا حدث به على المعنى وهو غير عالم بما يُحيل معناه لم يدر لعله يُحيل الحلال إلى الحرام، وإذا أداه بحروفه فلم يَبق وجهٌ يُخاف فيه إحالتُه الحديثَ. حافظًا إن حدث به من حفظه.، حافظًا لكتابه إن حدث به من كتابه ... إلخ".

ومن أمثلة ذلك ما أخرجه البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما في مسألة تحويل القبلة أنه قال: "بينما الناس بقُباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قد أُنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمِر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة". فقد عمل أهل قباء بخبر الواحد الثقة العدل الذي جاءهم، فاستداروا وهم في الصلاة، ولم يشكُّوا في خبره، ولم يطلبوا التثبُّتَ منه.، بل عملوا به فور سماعهم إياه وهم في الصلاة، وهي أعظم العبادات وأهم أركان الإسلام. ومثل ذلك ما أخرجه البخاريُّ ومسلمٌ من حديث أنس بن مالكٍ رضي الله عنه أنه قال: "كنت أسقي أبا طلحة وأبا عبيدة وأبيَّ بن كعب شرابًا من فَضيخٍ، فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حُرِّمَتْ، فقال أبو طلحة: قم يا أنسُ إلى هذه الجِرار فاكسرها". وهنا نرى مسارعةَ الصحابة إلى تصديق خبر الواحد الذي كان عندهم ثقةً.، والعمل به، ووصلوا إلى حدِّ إتلاف الأموال طاعةً لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم -.

<<  <   >  >>