للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من أجل هذا كان الطعن في صحيح البخاري ورواته ممتنعًا، لأن الكتاب قد بلغ أعلى درجات الثقة والقبول عند علماء الحديث، لأن الإمام البخاريَّ كان أكثر المحدثين تشدُّدًا في قبول رواية الراوي من حيث العدالة والثقة والحفظ والإتقان لما يرويه. فاحتمال الخطأ في جميعه غير ممكن عادةً، وغيرُ حاصلٍ في حقيقة الأمر، وإذا حصل الخطأ فإنه قد يحصل لحديث أو اثنين مما حصره العلماء وعرفوه ودرسوه وأجابوا عنه وبينوا أنه ليس بخطأ إلا لمن توهَّمه.

وهنا يظهر أحد الفروق بين القرآن الكريم وغيره من كتب أهل العلم، فإن كثيرًا من كتب أهل العلم قد سلمت من الخطأ وليس فيها ما يُنتقد، رغم أن أصحابها ليسوا بمعصومين، ولم يقل أحدٌ إنها تساوي كتاب الله تعالى في العصمة من الخطأ، وذلك للفرق بين الإمكان العقلي والإمكان العادي. فإن الخبير المتقن لأمر إذا حفظه ومارسه سنين طوالًا يقطع حكمُ العادةِ بعدم إمكان وقوعه في الخطأ، وإن كان العقل يجيز ذلك.، وبين الإمكان العقلي والإمكان العادي فرقٌ كبير تُعلم به درجة كتاب الله تعالى في العصمة والحفظ، فإن الخطأ في كتاب الله تعالى مستحيل عقلًا وشرعًا وعادة لم يقع في الماضي، ولا يمكن أن يقع في المستقبل.

وبهذا الفرق بين الإمكان العقلي والعادي يُعرف فضل المصنفات التي بذل أصحابها أوسع الجهد في تحريرها وتهذيبها لتَسلمَ من الخطأ. وعلى رأس هذه المصنفات صحيح البخاري الذي قيل فيه.: صحيح البخاري أصح الكتب بعد القرآن الكريم.

ومن معجزات النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر عن جماعة من الناس يقبلون القرآن ويردُّون الحديث، وهو ما حدث في عصور متفرقة منذ زمان الإمام الشافعي رحمه الله، وتجدَّد في عصرنا هذا، فهو من باب إخبار النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمغيَّبات.

<<  <   >  >>