ومن الأدلة على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه ليلة المعراج بعيني رأسه قول الله - تعالى-: {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} وقوله: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) } وقوله: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) } فالله أخبر أنه رأى الآيات ورأى جبريل، ولو كان الله أراه نفسه لكان ذكر ذلك أهم وأولى من ذكر الآيات فالله -تعالى- أخبر أنه {الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا} هذه رؤية الآيات، وقال: {أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (١٢) } أي من الآيات، وقال: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى (١٣) } أى: جبريل فلما نوه الله على رؤيته للآيات ورؤيته لجبريل دل على أنه لم يُره نفسه.
ولو كان الله أراه نفسه لنوه عن ذلك؛ لأن رؤية الله أعظم وأعظم وأشرف وأجل من ذكر الآيات وذكر جبريل، فلما لم يذكر الله أنه رأى ربه وأنه أراه نفسه وإنما ذكر رؤية الآيات، وذكر رؤية الآيات، وذكر جبريل دل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، ولو رأى لذكره الله، وبين؛ لأن ذكر ذلك أعظم وأهم وأشرف فكيف ينوه الله على رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للآيات ورؤيته لجبريل، ولا ينوه عن رؤيته له -سبحانه وتعالى-؟ فدل على النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه، وإنما رآه بعين قلبه.
أما ما روي عن ابن عباس، وما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- فإن الروايات التي رويت عن ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيدة فما روي عن ابن عباس أنه قال: رآه، وفي رواية: أنه قال: رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد، فالروايات عن ابن عباس بعضها مطلق وبعضها مقيد بعضها فيها أنه رآه وبعضها قال: إنه رآه بفؤاده فيحمل المطلق على المقيد، فالرواية التي فيها أنه رآه تحمل على رؤية الفؤاد وأنه رآه بقلبه، وكذلك ما روي عن الإمام أحمد -رحمه الله- فإنه تارة يطلق الرواية، وتارة يقول: رآه بفؤاده، فيحمل المطلق على المقيد، وليس هناك رواية عن ابن عباس، وعن الإمام أحمد صريحة بأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعيني رأسه، وإنما الروايات إما مطلقة وإما مقيدة برؤية الفؤاد، وإما مطلقة برآه أو مقيدة برؤية الفؤاد وفي رواية رآه بفؤاده، وهذا هو الصواب الذي عليه والذي عليه المحقوق أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه بعيني رأسه وإنما رآه بفؤاده، وما ورد من الآثار وما ورد عن السلف من إثبات الرؤية فهي المحمولة على رؤية الفؤاد على رؤية القلب، وما ورد من الآثار وما ورد من السلف من نفي الرؤية فهي محمولة على نفي الرؤية بالعين عن الرأس وبذلك تجتمع الأدلة بهذا.
ما ورد من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه فهو محمول على أنه رآه بقلبه، وما ورد من الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم فهو محمول نفي رؤيته بعين رأسه، وكذلك ما ورد عن السلف وعن العلماء بأن النبي صلى الله عليه وسلم رآه فهو محمولة على رؤية القلب والفؤاد، وما ورد عن الصحابة وعن السلف والعلماء والأئمة بأنه لم يره بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، فهي محمولة على أنه لم ير ربه بعين رأسه، وبذلك تجتمع الأدلة والآثار ولا تختلف كما بين ذلك أهل التحقيق أهل العلم من أهل التحقيق كشيخ الإسلام ابن تميمة -رحمه الله تعالى-، وهذا هو التحقيق في المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير به بعين رأسه، وإنما رآه بعين قلبه، والرؤية بعين القلب في العلم العلم الزائد عن العلم العادي، وما جاء عن الإمام أحمد، أو عن ابن عباس، أو غيرهم من السلف، أو من الآثار من إثبات الرؤية فهي محمولة على رؤية الفؤاد، وما جاء عن ابن عباس، أو عن الإمام أحمد، أو عن السلف، أو عن الآثار من نفي الرؤية فهي محمولة على نفي الرؤية بالعين بعين رأسه، وبهذا تجتمع الأدلة ولا تختلف والله الموفق للصواب،
وبهذا نأتى إلى.. ونكتفى بهذا القدر، وأسأل الله -تعالى- لي ولكم العلم النافع، والعمل الصالح وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين.