للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا


نعم يفعل ما يشاء وهو غير ظالم أبدا فهو سبحانه يفعل ما يشاء، وفعله مبني على الحكمة ليس فعله بالإرادة فقط كما يقوله المعتدون الجبرية بل فعله مبني على الحكمة فهو يفعل ما يشاء لأنه حكيم {إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (٨٣) } وهو غير ظالم أبدا سبحانه لا يوصف بالظلم.
والظلم عند أهل الحق وهم أهل السنة والجماعة قالوا: حقيقة الظلم الذي نَزَّه الله نفسه عنه هو وضع الشيء في غير موضعه، وضع الشيء في غير موضعه كأن يمنع أحدا من ثوابه، ثواب حسناته بأن ينقصه من حسناته أو أن توضع عليه سيئات غيره، فالظلم وضع الشيء في غير موضعه، ومنع ذي الحق حقه، كأن توضع على الإنسان سيئات غيره، أو أن ينقص من حسناته، هذا هو الظلم.
والظلم في اللغة العربية معناه: وضع الشيء في غير موضعه كأن يمنع أحدا من حقه بأن ينقصه من حسناته، أو يضع عليه شيئا من سيئات غيره؛ هذا نزه الله نفسه عنه، ونفاه عن نفسه قال: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِن اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (١٧) } {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢) } نفى الله خوف الظلم، وهذا الظلم هو الذي حرمه الله على نفسه، كما جاء في الحديث القدسي من حديث أبي ذر أن ربك -سبحانه وتعالى- قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) .
إذن حقيقة الظلم الذي نزه الله نفسه عنه ونفاه عن نفسه ونفى خوف العباد منه وحرمه على نفسه ما هو؟ هو وضع الشيء في غير موضعه ومنع ذي الحق حقه، كأن ينقص أحدا من ثواب حسناته، أو يحمل أحدا أوزار غيره واضح؟ هذا حقيقة الظلم الذي نزه الله نفسه عنه عند أهل الحق وأهل السنة والجماعة.
وفي المسألة مذهبان آخران:
المذهب الأول الجبرية وهم الأشاعرة والجهمية قالوا في تعريف الظلم الذي نزه الله نفسه عنه: الظلم عبارة عن الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة ويمتنع أن يكون في الممكن مقدور وظلم بل كل ما كان ممكنا فهو منه لو فعله عدل، ولا يكون ظلما.
إذن فالظلم عند الجبرية ممتنع ومستحيل على الله كامتناع العجز والموت فالظلم عندهم هو المحال الممتنع لذاته كالجمع بين الضدين وكون الشيء موجودا معدوما. إذن ما هو الظلم؟ هل له وجود عند الجبرية؟ عندهم لا حقيقة للظلم الذي نزه الرب نفسه عنه ألبتة، بل هو المحال لذاته والممتنع لذاته الذي لا يتصور وجوده.
وكل ممكن عندهم فليس بظلم ولله أن يفعله، وهو غير ظالم، وقالوا الجبرية: لو قلب الرب التشريع والجزاءات فجعل الزنا واجبا والعفة حراما لما كان ظالما ولو عذب رسله وأنبيائه وأوليائه أبد الآبدين، وأبطل جميع حسناتهم وحملهم أوزار غيرهم وعاقبهم عليها وأثاب المجرمين والعصاة والكفرة طاعات الأنبياء والأبرار وحرم ثوابها فاعلها لكان ذلك عدلا محضا، فإن الظلم من الأمور الممتنعة لذاتها في حق الرب وهو غير مقبول له بل هو كقلب المحدث قديما والقديم محدثا، وهذا قول جهم ومن اتبعه من المتكلمين.
شبهتهم قالوا: الظلم لا يكون إلا من مأمور من غيره منهي والله ليس كذلك والظلم إما التصرف في ملك الغير بغير إذنه، وإما مخالفة الآمر، وكلاهما في حق الله تعالى محال فإن الله مالك كل شيء هو مالك العباد يتصرف في ملكه، والذي يتصرف في ملكه ليس بظالم، إنما الظالم الذي يتصرف في غير ملكه، والظلم إنما يكون من مخالفة الآمر، والله ليس فوقه آمر تجب طاعته.
ومن أدلتهم: والجواب على هذا أن نقول: هذا باطل، هذا التعريف مخالف للغة العربية ليس ظلم، التعريف: الظلم هو الجمع بين الضدين الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة. هذا ليس تعريفه هذا لا وجود له، لو كان الظلم هو الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة لما نفاه عن نفسه قال: {لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ} هل ينفى شيء لا وجود له؟ لا ينفى، ولو كان الظلم هو الممتنع الذي لا يدخل تحت القدرة كما تقولون أيها الجبرية لما نفى خوف الظلم قال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا (١١٢) } .
هل يخاف الإنسان الممتنع المستحيل هل يخافه؟ لا يخافه ولو كان الظلم مستحيلا على الله لما حرمه على نفسه كيف يحرم على نفسه شيئا ممتنعا (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا) وقولكم: إن الظلم لا يكون إلا من آمر ناهٍ. نقول نعم الله -تعالى- مأمور منهي لكن من قِبَل نفسه فهو يأمر نفسه وينهاها سبحانه وتعالى.
ومن أدلتهم: أدلة الجبرية استدلوا بقول الله تعالى {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ (٢٣) } .

<<  <   >  >>