للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة للعباد إلا ما شاء لهم، فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن


نعم هذا في بيان مشيئة الرب، وأن كل شيء يجري بتقديره ومشيئته، وأن مشيئة الله نافذة أما مشيئة العباد فهي تابعة لمشيئة الله عز وجل مشيئة الله نافذة، لا يتخلف ما شاءه الله كما يقولون: "ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن" كل شيء شاءه الله لا بد أن يوجد، وما لم يشأ الله وجوده فإنه لا يكون، كل شيء يجري بتقدير الله ومشيئته، ومشيئة الله نافذة وإرادته الكونية لا تتخلف، والمشيئة لا تنقسم إلى قسمين، إنما الذي ينقسم إلى قسمين الإرادة.
الإرادة تنقسم إلى قسمين:
إرادة كونية قدرية ترادف المشيئة وإرادة دينية شرعية ترادف المحبة والرضا، الإرادة الكونية مرادفة للمشيئة، والمشيئة لا تنقسم. ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وكل شيء يجري بقضاء الله وقدره ومشيئته، ومشيئة الله نافذة، أما مشيئة العباد فقد تنفذ، وقد لا تنفذ؛ لأن مشيئة العباد تابعة لمشيئة الله كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (٣٠) } وقال -سبحانه-: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩) } .
وقال -سبحانه-: {* وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وقال -سبحانه-: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢) } وقال -سبحانه-: {وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي} وقال -تعالى-: {مَنْ يَشَأِ اللَّهُ يُضْلِلْهُ وَمَنْ يَشَأْ يَجْعَلْهُ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٩) } وقال -سبحانه-: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} .
والإرادة الكونية هي مرادف المشيئة، المعنى واحد، فمشيئة الله نافذة أما مشيئة العباد فهي تابعة لمشيئة الله عز وجل فقد يشاء العبد شيئا لكن لا يقع؛ لأن الله لم يشأ وقوعه، وقد يشأ العبد شيئا فيقع؛ لأن الله أراد وقوعه فمشيئة العبد تابعة لمشيئة الله عز وجل.
وقد أنكر الله -سبحانه وتعالى- على الكفار احتجاجهم بالمشيئة كقوله عز وجل {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (١٤٨) } الآية من سورة الأنعام، وقال -سبحانه -: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا} {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا} {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (٣٥) } الآية من سورة النحل.
وقال الله - سبحانه وتعالى- عن نوح: {وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٣٤) } فهؤلاء المشركون احتجوا بالمشيئة، فأنكر الله عليهم ذلك؛ لأنهم احتجوا بالمشيئة على محبة الله ورضاه، فاستدلوا بها على أن ما شاءه الله أحبه ورضيه، وأن المشيئة دليل على المحبة والرضا، ولولا أنه شاءه، لولا أنه أحبه ورضيه لما شاءه فأنكر الله عليهم ذلك؛ لأن الله قد يشاء الشيء ولا يرضاه ولا يحبه، أو أن الله أنكر عليهم أنهم جعلوا المشيئة دليلا على الرضا والمحبة أو أنهم عارضوا شرع الله ودينه في مشيئته، عارضوا قضاء الله وقدره بالشرط أو عارضوا دين الله وشرعه بالمشيئة {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} .
فأنكر الله عليهم ذلك فلا يعارَض ما شرعه الله بالمشيئة، المشيئة والإرادة الكونية لا يتخلف مرادها، والله حكيم فيما يقدره ويشاءه -سبحانه وتعالى-، فإذا قدر الله الشرك على العبد فله الحكمة البالغة، ولا يكون هذا حجة له في جواز الشرك، لو قدر الله المعصية على العبد فله الحكمة البالغة، ولا يكون هذا دليل الله على جواز المعصية، وعلى فعل المعصية فلهذا أنكر الله عليهم نعم.

<<  <   >  >>