المعنى الثاني يحتمل أنا، أنه أراد أنا لا نجادل في القراءة الثابتة، بل نقرؤه بكل ما ثبت بكل ما ثبت وصح، وكل من المعنيين حق، ويشهد لصحة المعنى الثاني ما روي عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال (سمعت رجلا قرأ آية، وسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بخلافها، فأخذت بيده فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، فعرفت في وجهه الكراهه وقال كلاكما محسن، لا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا) وهناك فرق بين ترتيب سور القرآن وترتيب آياته، ترتيب سور القرآن لم يكن واجبا منصوصا عليه على الصحيح، بل كان بالاجتهاد من الصحابة ولهذا كان ترتيب مصحف ابن مسعود - رضي الله عنه - على غير ترتيب المصحف العثماني، وأما ترتيب الآيات، فهو ترتيب منصوص عليه، فليس لأحد أن يقدم آية علي آية، وجمع عثمان - رضي الله عنه - الناس على حرف واحد اجتماعا سائغا جائزا، وقيل واجبا. اختلف العلماء في الأحرف السبعة ما هي؟ فقال جمهور... جمهور السلف من العلماء والقراء: إن قراءة القرآن على سبعة أحرف جائزة لا واجبة رخصة من الله، وقد جعل الاختيار إليه في أي حرف اختاره، فلما رأى الصحابة أن الأمة تفترق وتختلف وتتقاتل إن لم تجتمع على حرف واحد جمعهم الصحابة وعثمان على حرف واحد اجتماعا سائغا لا واجبا، هم معصومون أن يجتمعوا على ضلالة، ولم يكن في جمعهم له ترك لواجب ولا فعل لمحظور. والثاني أن الترخص في الأحرف السبعة صار منسوخا إذ أن الترخص كان في أول الإسلام لما في المحافظة على حرف واحد من المشقة عليهم أولا، فلما تزللت ألسنتهم بالقراءة، وكان اتفاقهم على حرف واحد يسيرا عليهم، وهو أوفق لهم وأرفق بهم أجمعوا على الحرف الذي كان في العرضة الأخيرة عرضة جبريل القرآن، وترك ما سواه فكان اجتماعهم واجبا، وذهب طوائف من الفقهاء وأهل الكلام إلى أن المصحف مشتمل على الأحرف السبعة، والجمهور على أن المصحف مشتمل على حرف واحد. نعم، وأما ما روي عن ابن مسعود أنه يجوز القراءة بالمعنى فغير صحيح؛ لأنه إنما قال: قد نظرت إلى القراءة، فرأيت قراءتهم متقاربة، وإنما هو كقول أحدكم: هلموأقبل وتعال واقرأ واجمع علمتم، أو كما قال. نعم.