من أنكر البعث، فهو كافر بإجماع المسلمين، والفلاسفة يقولون: البعث للروح لا ينكرون معاد الروح، ولكن ينكرون بعث الأجساد، وهم كفار بهذا، من لم يؤمن بأن الأجسام تبعث، وتعاد إلى الروح، فهو كافر، والذي يقول: إن البعث والمعاد للروح لا للأبدان كافر، وهم الفلاسفة. والبعث لغة: هو الإرسال وبعثه كمنعه، أرسله كابتعته، فانبعث. وشرعا: إحياء الله الموتى وإخراجهم من قبورهم للحساب والجزاء، والمراد به المعاد الجسماني، وهو أن يبعث الله الموتى من القبور، بأن يجمع أجزاءهم الأصلية، ويعيد الأرواح إليها، وأما النشور، فهو مرادف البعث. معنى نشر الميت: ينشر نشورا إذا عاش بعد الموت، وأنشره الله: أي أحياه، وأما الحشر، فهو في اللغة الجمع، والمراد به جمع أجزاء الإنسان بعد التفرقة، ثم إحياء الأبدان بعد موتها، والإيمان بالمعاد مما دل عليه الكتاب والسنة والعقل والفطرة السليمة، وهو حق واقع، فيجب الإيمان به والتصديق، قد أخبر الله عنه في كتابه العزيز وأقام الدليل عليه، ورد على المنكرين في غالب سور القرآن. والقرآن بيَّن معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع؛ ولهذا يقول العلامة ابن القيم -رحمه الله-: معاد الأبدان متفق عليه بين المسلمين واليهود والنصارى، قال بعض العلماء: هو بإجماع أهل الملل، وبشهادة نصوص القرآن. والكلام في البعث في القرآن، أكثر الآيات والنصوص في القرآن في البعث، أكثر من النصوص التي في الرب وسبب ذلك كثرة الإنكار البعث، وقلة الإنكار للرب، وذلك لأن الأنبياء كلهم متفقون على الإيمان بالله، فإن الإقرار بالرب عام في بني آدم، وهو فطري كلهم يقر بالرب فطرة، إلا من عاند كفرعون بخلاف الإيمان باليوم الآخر، فإن منكريه كثير، ومنشأ زعم بعض الملاحدة أن أخبار البعث، ونصوصه من باب التخيير، الملاحدة يقولون: أخبار البعث، ونصوصه من باب التخيير قالوا: لأن محمدا صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء.. سبب ذلك أن محمد صلى الله عليه وسلم لما كان خاتم الأنبياء وكان قد بعث، هو والساعة كهاتين، وكان هو الحاشر فصّل وبين تفصيل الآخرة بيانا لا يوجد في شيء من كتب الأنبياء، فإن كتب الأنبياء أجملت ولم تفصل، وزاد محمد صلى الله عليه وسلم فيما جاء به من الشريعة على الأنبياء في تفسير المعاد، ومما يتصل بالسؤال والشفاعة والحساب ودرجات أهل الجنة، ودركات أهل النار ولمجيء محمد صلى الله عليه وسلم بالتفصيل، ومن سبقه بالإجمال ظن طائفة من المتفلسفة، أنه لم يفصح في معاد الأبدان إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم وجعلوا هذا حجة لهم في أنه من باب التخيير والخطاب الجمهوري، أي الحجج التي ترضي الجمهور، وإن كانت غير واقعة، والقرآن بين معاد النفس عند الموت، ومعاد البدن عند القيامة الكبرى في غير موضع، وهؤلاء الملاحدة ينكرون القيامة الكبرى، وينكرون معاد الأبدان، ويقولون: إنه لم يخبر بذلك إلا محمد صلى الله عليه وسلم على طريقة التخيير، وهؤلاء كفرة لا شك في ذلك. وجزاء الأعمال والعرض والحساب وقراءة الكتاب والثواب والعقاب والعرض، كل هذا يجب الإيمان به. والحساب في اللغة: العد. واصطلاحا: تعريف الله الخلائق مقادير الجزاء على أعمالهم، وتذكيره إياهم ما قد نسوه، ومن الأدلة على ذلك قول الله تعالى: {يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ} وقد أخبر الله -سبحانه وتعالى- أن المؤمن {يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) } وجاء في الحديث (أن من نوقش الحساب عذب) فاستشكلت عائشة -رضي الله عنها- ذلك، وسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما قال النبي صلى الله عليه وسلم (من نوقش الحساب عذب، قالت عائشة: أليس قد قال الله: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا (٨) } ) .