أما بعد: فالحوض مما يتواتر فيه الأحاديث الصحيحة، وأصل الحوض في اللغة مجمع الماء أو ما يكون محلا لجمع الماء في الحقل مشتق من السيلان ومنه قولهم: حاض الوادي إذا سال وأما الحوض الوارد في الأحاديث فهو المراد به شرعا هو الحوض المورود للنبي صلى الله عليه وسلم في عرصات القيامة، وقد أنكر الحوض طوائف بعض الطوائف الخوارج وبعض المعتزلة. وأما أهل الحق أهل السنة فإنهم يؤمنون بالحق ويؤمنون بالحوض وهو حق يجب اعتقاده والإيمان به، هكذا يراه أهل الحق يرون أهل السنة والجماعة أن الحوض حق يجب اعتقاده والإيمان به، والأدلة على ثبوته كثيرة تبلغ حد التواتر رواه من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا منها حديث أنس - رضي الله عنه - (مثل ما بين ناحيتي حوضي مثل ما بين المدينة وصنعاء أو مثل ما بين المدينة وعمان) . ومنهما حديث أنس - رضي الله عنه - (إن قدر حوضي ما بين أيلة إلى صنعاء من اليمن وإن فيه من الأباريق عدد نجوم السماء) ومنها حديث يزيد الرقاشي (إن لي حوضا كما بين إيليا إلى الكعبة أو قال: صنعاء) ومنها حديث أبي بريدة عن أبيه - رضي الله عنه - (حوضي كما بين عمان إلى اليمن) ومنها حديث ثوبان (إن حوضي من عدن إلى عمان البلقاء) وعمان بفتح العين وتشديد الميم وهي مدينة معروفة. يقول في النهاية ابن الأثير: إنها مدينة قديمة بالشام من أرض البلقاء ومنها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص (حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء) ومنها عند ابن ماجة (حوضي ما بين المدينة إلى بيت المقدس) ومنها في رواية الدارقطني (ما بين ناحيتي حوضي كما بين المدينة وجرباء وأذرح) وهما قريتان بالشام قيل بينهما مسيرة ثلاثة أيام. فهذه ثمانية أحاديث وهذه الأحاديث مختلفة في تحديد المسافة واختلف العلماء في الجمع بين هذه الأحاديث التي اختلفت في تحديد المسافة على أقوال منها: أن اختلافها إنما هو؛ لأنها على وجه التقريب لا التحديد، ومنها أن اختلافها إنما هو بالنسبة للطول والعرض، ومنها أن اختلافها بحسب ما يعرفه السائل من حجازي ويماني وشامي، ومنها أن اختلافها إنما هو بالنسبة للمجد في السير والبطيء فيه، ومنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالمسافة القريبة أولا ثم أعلمه الله بالزيادة فضلا منه ورحمة. أما القول الأول من هذا الاختلاف إنما هو على وجه التحديد التقريب لا التحديد المعنى أنه يقرب في كل منها مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته بما تسنح له العبارة -عليه الصلاة والسلام- ويقرب ذلك للعلم ببعد ما بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة من حقها، لكن يجاب عن هذا القول بأن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب، وأما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فل. وأما الثاني وهو أن الاختلاف بالنسبة إلى الطول والعرض فيجاب عنه أو فيرده حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- (حوضي مسيرة شهر وزواياه سواء) وبهذا يكون هذان القولان ضعيفان وأرجح هذه الأقوال الثلاثة أرجحها الثلاث الأخيرة وهي أن الاختلاف بالنسبة إلى المجد في السير والبطيء أو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بالمسافة القريبة أولا ثم أعلمه الله بالزيادة أو أن الاختلاف بحسب ما يعرفه السائل لكن أرجحها الرابع، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بالمسافة القريبة أولا، ثم الثالث وهو بحسب ما يعرفه السائل، ثم الخامس والرابع وهو أن اختلافه بالنسبة إلى المجد في السير هذا أرجحها الأرجح أن الاختلاف بالنسبة للمجد في السير والبطيء، ثم يليه الثالث وهو أن الاختلاف بحسب ما يعرفه السائل، ثم الرابع ثم الخامس وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبره الله بالمسافة القريبة أولا ثم أعلمه بالزيادة. مسألة: هل في العرصات حوض غير حوض النبي صلى الله عليه وسلم ورد في الأحاديث أن هناك أحواضا أخرى للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأن لكل نبي حوضا لكن حوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعظمها وأوسعها وأحلاها وأكثرها واردا -جعلنا الله منهم بمنه وكرمه- من الأدلة على أن للأنبياء لكل نبي حوض حديث الحسن عن سمرة الذي أخرجه الترمذي في جامعه (إن لكل بني حوضا يتباهون أيهم أكثر واردا وإني لأرجو أن أكون أكثرهم واردا) ولكن هذا من رواية الحسن عن سمرة، وسماع الحسن من سمرة اختلفوا فيه والأرجح أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة.