للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضى الحاجات


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال الطحاوي -رحمه الله تعالى-: والله تعالى يستجيب الدعوات ويقضى الحاجات" في هذا بيان من المؤلف رحمه الله أن الله تعالى يستجيب الدعاء، وأن الدعاء نافع، وهذا هو الذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وغيرهم أن الدعاء نافع ومفيد.
والناس لهم في الدعاء ونفعه مذهبان مشهوران:
المذهب الأول: الذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وجمهور أهل الملل من يهود ونصارى ومشركين ومجوس أن الدعاء من أقوى الأسباب في جلب المنافع ودفع المضار؛ ولهذا قال المؤلف -رحمه الله- الطحاوي: والله يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات.
المذهب الثاني: أن الدعاء لا فائدة فيه فيمنع؛ لأنه عبث وليس بمشروع وإلى هذا ذهب قوم من المتفلسفة كابن سينا والفارابي؛ وغالية المتصوفة والمعتزلة ذهبوا إلى أن الدعاء عبث لا فائدة فيه فيمنع.
استدل أهل المذهب الأول على مشروعية الدعاء ونفعه للداعي من الكتاب والسنة:
أما الكتاب العزيز فقول الله تعالى {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} ووجه الدلالة: أن الدعاء لو لم يكن مشروعا لما أمر الله به ووعد بالإجابة.
الدليل الثاني: قول الله تعالى {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} ووجه الدلالة: لو لم يكن الدعاء مشروعا ونافعا لما أخبر الله بقربه لمن دعاه ووعده بالإجابة.
الدليل الثالث: قول الله تعالى {وَإِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ}
الدليل الرابع: قول الله تعالى {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} ووجه الاستدلال من الآيتين: أن الله أخبر عن الكفار أنهم إذا مسهم الضر في البحر دعوا الله مخلصين له الدين، وهذا اعتراف منهم بفائدة الدعاء، وأنه من أقوى الأسباب في جلب النفع ودفع الضر.
الدليل الخامس: قول الله تعالى {وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ $VJ ح! $s%} ووجه الاستدلال: دلت الآية على أن الإنسان مطلقا مؤمنا أو كافرا يلجأ إلى الدعاء إذا مسه الضر على أي حال من الأحوال، وهذا اعتراف منه بفائدة الدعاء ونفعه ودفعه الضر بإذن الله.
ومن السنة: حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من لم يسأل الله يغضب عليه) .
وحديث نزول الرب إلى السماء الدنيا وفيه (أن الرب -سبحانه وتعالى- يقول هل من داع فأستجيب له هل من سائل فأعطيه سؤله) .
والحديث الثالث: حديث (الدعاء مخ العبادة) وهذا فيه ضعف، وأصح منه حديث (الدعاء هو العبادة)
الدليل الرابع: حديث (لا يرد القضاء إلا الدعاء) .
ووجه الاستدلال من هذه الأحاديث الأربعة: أنه لو لم يكن الدعاء مشروعا ونافعا لما غضب الله على من لم يسأله ولما وعده بالاستجابة وإعطائه سؤله، ولما أخبر بأنه هو العبادة أو مخ العبادة، ولما أخبر أنه يرد القضاء.
هذه الأدلة تدل على أن الدعاء نافع ومفيد، وهذا الذي عليه أكثر الخلق من المسلمين وغير المسلمين إجابة الدعاء، إجابة الله للدعاء هل هي خاصة بالمسلم ليست خاصة، إجابة الدعاء عامة للمسلم والكافر؛ لأنها تابعة للربوبية، فإجابة الله لدعاء العبد مسلما كان أو كافرا وإعطائه سؤله من جنس رزقه لهم ونصره لهم وهو مما توجبه الربوبية للعبد مطلقا مسلما أو كافرا إلا أن الفرق بين المسلم والكافر هو أن إجابة الكافر قد تكون فتنة في حقه، ومضرة عليه، إذ كان كفره وفسوقه يقتضي ذلك.
مسألة في المعاني التي يستلزمها الدعاء:
قال ابن عقيل -رحمه الله-: قد ندب الله إلى الدعاء، وفي ذلك معان، وهي صفات لله -تعالى-
أحدها: الوجود فإن من ليس بموجود لا يُدْعَى. الثاني: الغنى فإن الفقير لا يدعى. الثالث: السمع فإن الأصم لا يدعى. الرابع: الكرم فإن البخيل لا يدعى. الخامس: الرحمة فإن القاسي لا يدعى. السادس: القدرة فإن العاجز لا يدعى.
ويزاد أيضا على ما ذكره ابن عقيل: السابع: الحياة فإن الميت لا يطلب. الثامن: العلم: فإن الجاهل لا يسئل.

<<  <   >  >>