المسألة فيها مذاهب: المذهب الأول لأهل البدع بعضهم ينسبه إلى المعتزلة قالوا: لا ينتفع الميت من سعي الحي إلا بما تسبب به في حياته؛ لأنه تابع لما عمله في حياته وما لم يكن تسبب فيه في الحياة فهو منقطع عنه واضح هذا. إذن مذهب أهل البدع: لا ينتفع الميت من سعي الحي إلا بالشيء الذي تسبب به في حياته، مثل أيش؟ مثل وقف صدقة تسبب به في حياته هذا ينتفع به، مثل علم، مؤلفات ألفها، أو تلاميذ درسهم وانتفعوا، يستفيد من علمه، وكذلك مصاحف طبعها أو كتب علمية طبعها أو أولاد صالحين رباهم فدعوا له، كما جاء في الحديث: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) الذي تسبب به في حياته ينتفع به، وما لم يتسبب فيه فلا ينتفع به. القول الثاني: وهو مذهب ينسب إلى المالكية والشافعية قالوا: ينتفع الميت بما تسبب به في الحياة وبالدعاء والصدقة والحج وهي التي تسمى بالأعمال المالية التي تدخلها النيابة، هم يقولون ينتفع الميت بشيئين: الشيء الأول ما تسبب به في الحياة كما قال المعتزلة. والنوع الثاني الأعمال المالية التي تدخلها النيابة مثل الدعاء دعا له إنسان يستفيد، مثل الصدقة تصدق عنه إنسان يستفيد مثل الحج والعمرة حج عنه مثل الأضحية، أما الأعمال البدنية فلا يستفيد منها مثل الصلاة مثل الطواف مثل الذكر مثل قراءة القرآن فلا يستفيد واضح هذا. المذهب الثالث: أن الميت ينتفع بكل قربة يهديها إليه الحي فينتفع بما تسبب به في الحياة، وينتفع بالأعمال المالية التي تدخلها النيابة وهي الدعاء والصدقة والحج، وينتفع أيضا بما يهدى إليه من ثواب الأعمال الصالحة البدنية كالصلاة والصوم وقراءة القرآن والذكر، وهذا مذهب الحنابلة والأحناف. ولهذا يقول الحنابلة في هذا: وكل قربة فعلها وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت نفعه وكل من صيغ العموم كل قربة سواء كانت القربة بدنية، أو القربة عملية فعلى هذا إذا تصدق الإنسان بصدقة، ونوى ثوابها للميت لقريبه، أو غير قريبه، هل ينتفع، ينتفع عند المالكية والشافعية، وينتفع عند الأحناف والحنابلة، ولا ينتفع عند المعتزلة؛ لأنها ليست ممن تسبب فيها. أما الأعمال البدنية: صلى ركعتين، وقال: اللهم اجعل ثوابها للميت أو صام يوم فقال: اجعل ثوابه للميت، أو قرأ القرآن، وقال: اللهم اجعل ثوابها للميت، لو قرأ سورة أو سبح ونوى ثوابه للميت، هل ينتفع هل تصل للميت؟ عند الشافعية والمالكية لا ينتفع، وعند الحنابلة والأحناف ينتفع. واضح هذا سيأتي الأدلة فعلى هذا تكون مذاهب ثلاثة: المذهب الأول: مذهب أهل البدع: لا ينتفع إلا بما تسبب به في الحياة. المذهب الثاني: ينتفع بما تسبب به في الحياة وبثواب الأعمال المالية، وهي ثلاثة أنواع: الدعاء، والصدقة والحج فقط، أما ثواب الصلاة وثواب قراءة القرآن وثواب الذكر وثواب الطواف بالبيت بدون حج أو عمرة فلا يستفيد. المذهب الثالث: ينتفع بكل شيء يهدى إليه ينتفع بثواب الصدقة وينتفع بثواب الصلاة والصيام والذكر وقراءة القرآن والطواف بالبيت. والصواب من هذه الأقوال مذهب المالكية والشافعية، ووجه الترجيح أن هناك أدلة تدل على أن الميت ينتفع بالصدقة، وهناك أدلة تدل على أن الميت ينتفع بالحج والعمرة، وهناك أدلة تدل على أن الميت ينتفع بالدعاء، لكن ليس هناك دليل يدل على أن الميت ينتفع بصلاة ركعتين إذا صليت أو طواف بالبيت مجرد ليست بحج ولا عمرة أو تقرأ قرآن وتهدي ثوابه أو تصوم يوم وتهدي ثوابه ما في دليل. لكن الحنابلة والأحناف قالوا: نقيس، ما عندهم إلا القياس، نقيس ثواب الأعمال البدنية على ثواب الأعمال المالية. فقال الشافعية والمالكية لا نقيس؛ لأن العبادات ما فيها قياس، العبادات ما فيها قياس، العبادات مبناها على التوقيف، والأصل في العبادات: الحظر والمنع فنحن نقف على هذا نقف حيث وقفت النصوص، ولهذا الصواب والراجح في هذا مذهب أيش مذهب المالكية والشافعية، وهو أن الميت ينتفع بما تسبب به في الحياة كالأوقاف والأولاد وكالعلم الأولاد الذين يدعون له والصدقة والدعاء، والحج لأن الأدلة وردت في هذا، ولا ينتفع بثواب الصيام، ولا بثواب قراءة القرآن، ولا بثواب الطواف بالبيت، ولا بثواب الذكر إلا الصوم الواجب الذي مات وهو عليه.