وإذا كان سيد المرسلين -والمرسلون أفضل الناس- فهو سيد العالمين -عليه الصلاة والسلام- كما ثبت من الحديث الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأنا أول من ينشق عنه القبر، وأنا أول شافع وأول مشفع) -عليه الصلاة والسلام-. فاختاره الله -سبحانه وتعالى-، واصطفاه على خلقه كما في الحديث: (إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم) فهو -عليه الصلاة والسلام- أفضل الناس. وقال -عليه الصلاة والسلام-: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) وهو أفضل الناس، وسيد المرسلين، وسيد ولد آدم، فهو أفضل الناس -عليه الصلاة والسلام- على الإطلاق. وأما ما جاء في بعض الأحاديث من النهي عن تفضيله كحديث: (لا تفضلوني على موسى) ورواية: (لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأجد موسى باطشا بساق العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟) . وفي لفظ: (لا تفضلوني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأكون أول من يفيق، فإذا موسى آخذ بقائمة من قوائم العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم جوزي بصعقة يوم الطور) . هذا الحديث له سبب، وهو أن يهوديا قال: (والذي اصطفى موسى على العالمين"، فسمعه مسلم فلطمه، قال: أتقول هذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا؟ فاشتكاه، فجاء اليهودي واشتكى المسلم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا تفضلوني على موسى ولا تخيروني على موسى) . هذا له سبب، فيكون النهي محمول على ما إذا كان التفضيل على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس، وهذا منهي عنه، أو يكون التفضيل على وجه الفخر. فإن الجهاد -وهو أفضل الأعمال- إذا كان على وجه الحمية والعصبية فإنه لا يكون جهادا في سبيل الله، كما ثبت في الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يقاتل حمية والرجل يقاتل عصبية أي ذلك في سبيل الله؟ فقال: من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله) . فإذن النهي محمول على ما إذا كان التفضيل على وجه العصبية والحمية وهوى النفس، أو كان على وجه الفخر، أو كان على وجه الانتقاص للمفضول، أو أن النهي محمول على ما إذا كان خاصا، أما إذا كان عاما فلا بأس. ومثله الحديث الأخر: (لا تفضلوا بين الأنبياء) فيجاب عنه بأجوبة: الجواب الأول: بأن النهي محمول على ما إذا كان التفضيل على وجه الحمية والعصبية وهوى النفس. ثانيا: أنه محمول -النهي محمول- على ما إذا كان على وجه الفخر؛ لأن الفخر منهي عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله أوحى إليّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد) . الثالث: أن النهي محمول على ما إذا كان على وجه الانتقاص للمفضول. الرابع: أن النهي محمول على ما إذا كان خاصا، أما إذا كان عاما فلا بأس تفضيله على عموم الناس، لا بأس، أما تفضيله خاصة كتفضيله على موسى فيكون منهيا عنه. وأما الحديث الذي يروى: (لا تفضلوني على يونس بن متى) وأن بعض الشيوخ امتنع عن تفسيره حتى أعطي مالا جزيلا، فلما أعطي مالا جزيلا فسره وقال: معناه لا تفضلوني على يونس بن متى؛ وذلك لأن قرب يونس بن متى وهو في بطن الحوت في قعر البحار كقربي من الله ليلة المعراج، (لا تفضلوني على يونس بن متى) وذلك لأن قرب يونس بن متى من الله وهو في قعر البحار في بطن الحوت كقربي من الله ليلة المعراج. فهذا الحديث باطل، محرف لفظا، وباطل معنى، وهذا يدل على جهل هؤلاء بالحديث، بألفاظ الحديث ومعانيه. أول هذا الحديث محرف، لم يرد هكذا، إنما صواب الحديث: (لا يقولن أحد إني خير من يونس بن متى) (لا يقولن أحدكم إني خير من يونس بن متى) وفي لفظ: (من قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب) . فليس فيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تفضيله على يونس، والأنبياء يتفاضلون كما قال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ} {* تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} فليس فيه نهي تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم على يونس. ثم أيضا هذا التفسير تفسير باطل، وهو أن يونس بن متى وهو في قعر البحار قربه من الله كقرب محمد صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج وهو فوق السبع الطباق، هذا باطل، هذا ذكره بعضهم، وأظنه ابن علي الجويني، هذا يتمشى مع القول بنفي العلو، يعني أن الله ليس في العلو، وأن من كان فوق السبع الطباق ومن كان في بطن الحوت في قعر البحار فقربهم سواء.