للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأهل الكبائر من أمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- في النار، لا يخلدون إذا ماتوا وهم موحدون


نعم. هذا هو معتقد أهل السنة والجماعة أن أهل الكبائر إذا ماتوا لا يخلدون في النار، بل هم تحت مشيئة الله كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} فأخبر الله سبحانه وتعالى أن الشرك غير مغفور، وما دون الشرك فهو تحت المشيئة، ومحل النزاع في هذا هو الكبيرة التي مات عليها صاحبها من غير توبة، أما الكبيرة التي تاب منها، ليست محل نزاع من تاب تاب الله عليه، التوبة تجب ما قبلها من تاب قبل الموت توبة صدوق نصوح قبل الله توبته عامة، التوبة حتى من الشرك الذي هو أكبر الكبائر، من تاب من الشرك من تاب من عقوق الوالدين من تاب من الزنا من تاب من السرقة، لكن حقوق الناس لا بد من أدائها، لا بد من إصلاح التوبة من أداء حقوق الناس، قال الله تعالى: {* قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (٥٣) } .
أجمع العلماء على أن هذه الآية في التائبين، أما قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} هذه في غير التائبين، لأن الله -سبحانه وتعالى- خص الشرك بعدم المغفرة وعلق ما دونه بالمشيئة، أما الآية السابقة في سورة الزمر، فإن الله أطلق وعمم، فدل على أنها في التائبين. نعم.
لكن ما هي الكبيرة التي إذا مات عليها من غير توبة يتوعد بالنار؟ الصغائر إذا مات الإنسان على الصغائر، فإن الصغائر تكفر، إذا اجتنب الإنسان الكبائر إذا اجتنب المسلم الكبائر، وأدى الفرائض كفر الله الصغائر فضلا منه وإحسانا قال سبحانه: {إِنْ تَجْتَنِبُوا tچح! $t٦ں٢ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ} يعني الصغائر {وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) } أما الكبيرة إذا مات عليها من غير توبة، فهذا تحت مشيئة الله، قد تغفر وقد لا تغفر.
والعلماء اختلفوا ما هي الكبيرة؟ اختلف العلماء في تحديد الكبيرة قال بعض العلماء: الكبائر سبع، وقال بعضهم: سبعة عشر، وقال بعضهم: الكبائر سبعون، وقيل سبعمائة، وقيل: لا تعلم الكبيرة أصلا، وقيل: إنها أخفيت كليلة القدر، وقيل: سميت كبائر بالنسبة، والإضافة إلي ما دونها، وقيل: كل ما نهي الله عنه فهو كبيرة، وقيل: الكبيرة ما اتفقت الشرائع على تحريمه، وقيل: الكبيرة هي ما يسد باب المعرفة بالله، وقيل: الكبيرة ما فيه ذهاب الأموال والأبدان، وقيل: الكبيرة -وهذا هو الصواب- الكبيرة هي ما يترتب عليها حد في الدنيا أو وعيد في الآخرة في النار أو اللعنة أو الغضب.
هذا أصح الأقوال أصح الأقوال في تعريف الكبيرة: ما ترتب عليها حد في الدنيا أو توعد عليها بالنار أو اللعنة أو الغضب، وألحق بعضهم نفي الإيمان، أو قيل فيه ليس منا أو برئ منه النبي صلى الله عليه وسلم وأما الصغيرة، فقيل: الصغيرة ما دون الحد حد الدنيا وحد الآخرة، وقيل: الصغيرة كل ذنب لم يختم بلعنة أو غضب أو نار، وقيل: الصغيرة ما ليس فيه حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة، وهذا أرجح الأقوال، الصغيرة ما ليس فيه حد في الدنيا ولا وعيد في الآخرة.
والمراد بالوعيد الوعيد الخاص بالنار أو اللعنة أو الغضب، وهذا التعريف للكبيرة، قلنا: إنه هو الراجح، الدليل على أنه هو الراجح، ترجح له مرجحات، أولا: أن هذا التعريف أو هذا الحد هو المأثور عن السلف كابن عباس وابن عيينة وأحمد بن حنبل وغيره، ثانيا: أن الله تعالى قال: {إِنْ تَجْتَنِبُوا tچح! $t٦ں٢ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا (٣١) } ولا يستحق هذا الوعد الكريم من أوعد بغضب الله ولعنته وناره، وكذلك من استحق أن يقام عليه الحد لم تكن سيئاته مكفرة باجتناب الكبائر، الثالث: أن هذا الحد يعني التعريف متلقى من خطاب الشارع فهو ضابط مرده إلي ماذا مرجعه إلي ما ذكره الله ورسوله من الذنوب.
رابعا: أن هذا الضابط يمكن الفرق به بين الكبائر والصغائر، خامسا: أن هذا الضابط يسلم من القوادح الواردة على غيره، فإنه يدخل فيه كل ما ثبت بالنص أنه كبيرة كالشرك والقتل والزنا والسحر وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات مما فيه حد في الدنيا، ونحو ذلك كالفرار من الزحف، وأكل مال اليتيم وأكل الربا وعقوق الوالدين واليمين الغموس وشهادة الزور، وغير ذلك مما فيه وعيد في الآخرة.

<<  <   >  >>