للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبعذاب القبر لمن كان له أهلا، وسؤال منكر، ونكير في قبره عن ربه ودينه، ونبيه على ما جاءت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، وعن الصحابة رضوان الله عليهم


نعم هذا، هو معتقد أهل السنة والجماعة أن الإيمان بعذاب القبر، ونعيمه وأن المؤمن يوسع له في قبره من البصر، والفاجر يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وأن كل إنسان يُسأل عن ربه ودينه، ونبيه، فالمؤمن يثبته الله، نسأل الله أن يثبتنا وإياكم، فيقول: الله ربي والإسلام ديني، ومحمد نبي.
والفاجر لا يستطيع أن يجيب عن هذه الأسئلة، وهو كان ينصح الناس، يسأله: من ربك؟ فيقول: ها ها لا أدري، وإذا سئل عن دينه، يقول: ها ها لا أدري، عن نبيه يقول: ها ها لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعه من خلق الله إلا الثقلين، ولو سمعها الإنسان لصعق، نسأل الله السلامة والعافية.
وأما المنكرون لعذاب القبر، ونعيمه، فإنهم أعملوا عقولهم، اعتمدوا على العقل كالمعتزلة وغيرهم، وتركوا النصوص وراءهم ظهريا، ومن شبههم يقولون: إن الإنسان قد خرجت روحه، فلا يتأتى ينعم أو يعذب، ونحن نقول: لا نرى إحساسا عند المقبور، ولو فتحنا قبره، فلا نرى شيئا، فلا نؤمن بشيء، لا نحس به، فلا نؤمن إلا بالمحسوس، وطريقة المعتزلة في النصوص إما أن يخطئوها من ناحية السند، أويؤولوها من ناحية المتن، ويقولون هي أخبار آحاد، ولا يُحْتَج بها في مسائل العقائد.
والمقصود أن المعتزلة وغيرهم أعملوا عقولهم، وتركوا النصوص وراءهم ظهريا، وهناك بحوث تتعلق بالشبه والجواب، عن الشبه والأسباب المنجية من عذاب القبر، وكذلك السؤال في القبر للملكين، هل هو للروح، أو للجسد أم ماذا؟ وبحوث طويلة في هذا والسؤال في القبر، هل هو عام في حق المسلمين والمنافقين والكفار؟ أو يختص بالمسلم والمنافق؟ وكذلك -أيضا- بحوث تتعلق بهذا في الأطفال والمجانين، هل يمتحنون، أو لا يمتحنون؟ وكذلك خطاب الملكين جميع الموتى في الأماكن المتعددة في الوقت الواحد، وكذلك عذاب القبر وعذاب البرزخ، ووجه تسميته برزخا، وفي بيان أن عذاب القبر ينال من هو مستحق له، قُبِر، أو لم يقبر، وكذلك في بيان الحياة التي اختص بها الشهداء، كل هذه البحوث طويلة، لا نتمكن من أخذها. نعم.
بعد هذا ننتقل إلى مبحث عذاب القبر، ونعيمه، وسؤال الملكيين، أقوال العلماء في عذاب القبر، ونعيمه، وهل هو على النفس والبدن، أو على أحدهما؟ سئل شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- عن هذه المسألة فقال، بل العذاب والنعيم على النفس والبدن جميعا، باتفاق أهل السنة والجماعة، تنعم النفس، وتعذب منفردة عن البدن، وتنعم، وتعذب متصلة بالبدن، والبدن متصل بها، فيكون النعيم والعذاب عليها في هذه الحال مجتمعين، كما يكون على الروح منفردة عن البدن، وهل يكون العذاب والنعيم للبدن بدون الروح، هذا فيه قولان مشهوران لأهل الحديث والسنة، وأهل الكلام.
وفي المسألة أقوال شاذة ليست من أقوال أهل السنة والجماعة، والحديث قول مَن يقول: إن النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح، وإن البدن لا ينعم، ولا يعذب، وهذا تقوله الفلاسفة المنكرون لمعاد الأبدان، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين، ويقوله كثير من أهل الكلام من المعتزلة، وغيرهم الذين يقرون بمعاد الأبدان.
الثاني: أن العذاب والنعيم للبدن لا يكون في البرزخ، وإنما يكون عند القيام من القبور، وهؤلاء ينكرون عذاب البدن بالبرزخ فقط، ويقولون: إن الأرواح هي منعمة، أو المعذبة بالبرزخ، فإذا كان يوم القيامة عذب الروح والبدن معا، وهذا قول قاله طوائف من المسلمين من أهل الكلام والحديث وغيرهم، وهو اختيار ابن حزم وابن مرة، فهذا القول ليس من الأقوال الثلاثة الشاذة، بل هو مضاف إلى قول مَن يقول بعذاب القبر، ويقر بالقيامة، ويثبت معاد الأبدان والأرواح.
أدلة أهل السنة وسلف الأمة وأئمتها على أن النعيم والعذاب، يحصل للروح، لروح الميت وبدنه استدل.. قبل هذا الأقوال الشاذة في عذاب القبر، ونعيمه.. الخلاصة في هذا أن في المسألة ثلاثة أقوال شاذة، وثلاثة أقوال ليست شاذة.
الأقوال الشاذة: النعيم والعذاب لا يكون إلا على الروح، والبدن لا ينعم، ولا يعذب مطلقا، وهذا قول الفلاسفة والمنكرين للمعاد، لمعاد الأبدان، وهؤلاء كفار بإجماع المسلمين.
الثاني: قول من ينكر عذاب الروح مطلقا الروح بمفردها لا تنعم، ولا تعذب، وإنما الروح هي الحياة، وهذا يقوله طوائف من أهل الكلام من المعتزلة والأشعرية كالقاضي أبي بكر وغيره.
الثالث: أن البرزخ ليس فيه نعيم، ولا عذاب، بل لا يكون ذلك حتى تكون الساعة الكبرى، وهذا يقوله بعض المعتزلة، ونحوهم، بناء على أن الروح لا تبقى بعد فراق البدن، وأن البدن لا ينعم، ولا يعذب.

<<  <   >  >>