للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحبيب رب العالمين


يعني نبينا صلى الله عليه وسلم حبيب رب العالمين، بل خليل رب العالمين، لو قال الشيخ الطحاوي: "وخليل رب العالمين" لكان أولى؛ لأن الخلة أكمل من المحبة، ثبت له -عليه الصلاة والسلام- الخلة كما ثبتت لإبراهيم.
قال -عليه الصلاة والسلام-: (إني أبرأ من الله أن يكون لي منكم خليل، إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا) وبالحديث الآخر: (لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكرا خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن) يعني نفسه.
فإذن الخلة ثابتة لنبينا صلى الله عليه وسلم والخلة أعلى مقامات المحبة، أعلى مقامات المحبة، والمحبة ثابتة لغير الخليل قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (٤) } {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٩٥) } {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (٢٢٢) } .
هذه المحبة ثابتة لهم، لكن الخلة فوق ذلك، والخلة لم تكن إلا لاثنين: لإبراهيم ومحمد -عليهم السلام-، فهما الخليلان.
وأما ما يقوله بعض الناس ويزعمه من أن الخلة لإبراهيم والمحبة لمحمد، ويقول: إبراهيم خليل الله، ومحمد حبيب الله. هذا باطل، بل محمد أيضا خليل الله.
ويروى في ذلك حديث رواه الترمذي: (إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر) هذا حديث ضعيف، لا يصح، رواه الترمذي: (إن إبراهيم خليل الله، ألا وأنا حبيب الله ولا فخر) هذا حديث ضعيف، في سنده ضعيفان: زمعة بن صالح، وسلمة بن وهران، وهما ضعيفان؛ فلا يصح الحديث.
والصواب أن محمدا خليل الله كما أن إبراهيم خليل الله، فقول الشيخ: "هو حبيب الرحمن" يوهم أنه لا يثبت الخلة لمحمد، لو قال: "وخليل الرحمن"، "وخليل رب العالمين" كان أحسن، لو قال الطحاوي بدل "وحبيب رب العالمين": "وخليل رب العالمين" لكان أحسن؛ حتى يثبت الخلة، فالخلة ثابتة لاثنين: لإبراهيم ومحمد -عليهما الصلاة والسلام-.
والخلة هي نهاية المحبة -نهايتها-؛ وذلك لأن المحبة مراتب، المحبة لها مراتب، ولها درجات ومراتب:
أول مراتب المحبة العلاقة، وهي تعلق القلب بالمحب، ثمة علاقة تعلق القلب بالمحب.
المرتبة الثانية: إرادة، وهي إدارة المحبوب وطلبه له، إرادة المحب للمحبوب وطلبه له.
المرتبة الثالثة: الصبابة، وهي انصباب القلب إلى المحب، بحيث لا يملكه كانصباب الماء إلى الحجور.
الرابع: الغرام، وهو الحب الملازم للقلب، سمي غراما لملازته له، ومنه الغريم، سمي غريما لملازمته لغريمة صاحب الدَّين إذا لقي المدين لزمه، ومنه قوله تعالى في جهنم: {إِن عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (٦٥) } يعني ملازما.
المرتبة الخامسة: المودة والود، وهو صفو المحبة وخالصها ولبها، ومنه قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا (٩٦) } .
المرتبة السادسة: الشغف، وهو الحب الذي وصل إلى شغاف القلب، وهو غلافه، وهي الجلدة التي دون الحجاب.
المرتبة السابعة: العشق، وهو الحب المفرط الذي يخشى على صاحبه، وهذا لا يوصف به الرب، هذه المرتبة لا يوصف بها الرب، ولا يوصف العبد بها في محبته لربه؛ لأنه لم يرد، ولعل الحكمة في ذلك أنها محبة مع شهوة.
الثامن: التتيم، وهو التعبد، ومنه تيم الله أي عبد الله، يقال: تيمة الحب. أي عبّده وذلله.
التاسع: التعبد، وهو غاية الذل مع غاية المحبة، يقال: طريق معبد إذا وطئته الأقدام، غاية الذل مع غاية المحبة، ومحبة العبودية خاصة بالله، ولا تكون إلا لله، وهي غاية الذل مع غاية الحب، فإذا صرفت لغير الله كانت شركا.
العاشر: الخلة، وهي سميت خلة لأنها لتخللها القلب والروح، تتخلل القلب والروح حتى تصل إلى سويدائك، كما قال الشاعر:
قد تخللت مسلك الروح مني *** ولذا سمي الخليل خليلا
والخلة هي نهاية المحبة وكمالها، ولا يتسع القلب لأكثر من خليل واحد، القلب يمتلئ ما يتسع لأكثر من خليل واحد؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا من أهل الأرض خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الله) يعني نفسه -عليه الصلاة والسلام-.
يعني لو كان في قلبي متسع لكان لأبي بكر، ولكن قلبي امتلأ بخلة الله، فليس فيه متسع، لو كان فيه متسع لكان لأبي بكر، لكن القلب لا يتسع لأكثر من خليل، امتلأ قلبه -عليه الصلاة والسلام- بخلة الله، فلا يتسع لأكثر من واحد.

<<  <   >  >>