للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والميثاق الذي أخذه الله تعالى من آدم وذريته حق.


الميثاق الذي أخذه الله -تعالى- من آدم وذريته حق ما هو الميثاق؟ الميثاق لغة العهد والميثاق شرعا واصطلاحا هو العهد الذي أخذه الله -تعالى- من آدم وذريته، فما هو هذا العهد الذي أخذه الله من آدم وذريته؟ والأصل في ذلك قوله -تعالى-: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (١٧٢) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ (١٧٣) }
ما هو هذا العهد؟ اختلف العلماء في هذا العهد ما هو على قولين مشهورين القول الأول أن الله -تعالى- استخرج ذرية آدم من صلبه من ظهره وأشهدهم على أنفسهم بلسان المقال بأن الله ربهم ثم عاهدهم وأن الله ميزهم إلى أصحاب اليمين وإلى أصحاب الشمال فيكون العهد هذا أن الله سبحانه أخرج الأرواح قبل خلق الأجساد وأنه جعل فيها من المعرفة ما علمت به ما خاطبها ربها فشهدت ونطقت.
القول الثاني: أن الله استخرج ذرية بني آدم بعضهم من بعض من أصلابهم بعد الولادة شاهدون على أنفسهم أن الله ربهم ومليكهم وأنه لا إله إلا هو، فالإخراج من ظهور بني آدم بعضهم من بعض، ومعنى أشهدهم على أنفسهم بلسان الحال لا بلسان المقال أي: دلهم على توحيده وفطرهم عليه بأن بسط لهم الأدلة على ربوبيته ووحدانيته، وشهدت بها عقولهم وبصائرهم التي ركبها الله فيهم، فكل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا واحدا.
... فالمراد بالإشهاد فطرتهم على التوحيد، فكل مولود يولد على الفطرة فقام ذلك مقام الإشهاد فيكون إذا الميثاق هو قوله: إن الله استخرج ذرية آدم من ظهره الأرواح وأنطقها ونطقت وشهدت ثم أعادها، والثاني: أن المراد الأدلة التي نصبها الله كل بالغ يعلم ضرورة أن له ربا بما فطره الله عليه وبما رصد له من الأدلة، وهي كل شاهد بلسان الحال لا بلسان المقال.
الأدلة التي استدل أهل القول الأول الذين قالوا: إن الله استخرج ذرية آدم وأنطقهم بلسان المقال بما يأتي:
أولا: حديث عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - الذي رواه الإمام أحمد (أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن هذه الآية {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} الآية فقال: إنه سئل يعني: عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - سئل عن هذه الآية فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عنها قال: إن الله خلق آدم -عليه الصلاة والسلام- ثم مسح ظهره بيمينه فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، ثم مسح ظهره فاستخرج منه ذرية قال: خلقت هؤلاء للنار وبعمل أهل النار يعملون فقال رجل: يا رسول الله ففيم العمل؟ قال صلى الله عليه وسلم إن الله عز وجل إذا خلق العبد للجنة استعمله بعمل أهل الجنة حتى يموت على عمل من أعمال أهل الجنة فيدخله به الجنة، وإذا خلق العبد للنار استعمله بعمل أهل النار حتى يموت على عمل من أعمال أهل النار فيدخله به النار)
الدليل الثاني: ما رواه الترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما خلق الله آدم مسح ظهره فسقط من ظهره كل نسمة هو خالقها من ذريته إلى يوم القيامة وجعل بين عيني كل إنسان منهم وبيصا من نور ثم عرضهم على آدم فقال: أي ربي من هؤلاء؟ قال: هؤلاء ذريتك فرأى رجلا منهم فأعجبه وبيص ما بين عينيه فقال: يا رب من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له: داود قال: يا رب كم عمره؟ قال: ستون سنة قال: أي رب أعطه من عمري أربعين فأخذ الله عليه الميثاق فلما انتهت المدة جاء ملك الموت ليقبض روح آدم فقال: أولم يبق من عمري أربعين؟ قال: أولم تعطها لابنك لداود؟ فنسي آدم ونسيت ذريته وجحد آدم وجحدت ذريته وخطئ آدم فخطئت ذريته)

<<  <   >  >>