للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والمعراج حق وقد أسري بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعرج بشخصه في اليقظة إلى السماء ثم إلى حيث شاء الله من العلا وأكرمه الله بما شاء وأوحى إليه ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى فصلى الله عليه وسلم في الآخرة والأولى


هذا البحث في إثبات الإسراء والمعراج للنبي صلى الله عليه وسلم والإسراء ثابت في كتاب الله عز وجل قال -تعالى- {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} ومن أنكر الإسراء كفر؛ لأنه مكذب لله وما كذب بشيء من كتاب الله، والمعراج ثابت بالأحاديث الصحيحة التي تفيد العلم والقطع، لكن من أنكر ذلك فحتى تقوم عليه الحجة ويبين له.
والإسراء أصل الإسراء لغة السير ليلا يقال: أسرى يسري إسراء ويأتي لازما فيقال: سرى الرجل ويأتي متعديا فيقال: أسرى به، وأما الإسراء شرعا واصطلاحا فهو السفر برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس ليلا على البراق، والبراق دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض طويل.
والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي أنهما يشتركان في السير ليلا المعنى اللغوي والاصطلاحي كلاهما فيه السير ليلا فكل من المعنيين فيه السير في الليل، لكن المعنى اللغوي أوسع، ثم يأتي المعنى الاصطلاحي بقيود وشروط زائدة على المعنى اللغوي وهو كونه سفرا وبرسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى البراق ومن مكة إلى بيت المقدس.
أما المعراج لغة فهو على وزن مفعال مشتق من العروج وهي آلة العروج التي يعرج فيها ويصعد، يشمل السلم ويشتمل الدرجة والمعراج شرعا واصطلاحا هو العروج برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا من بيت المقدس إلى السماء، والآلة التي عرج عليها -عليه الصلاة والسلام- هي بمنزلة السلم، ولا يعلم كيف هو؟ لا يعلم كيفية هذه الآلة وحكمه حكم غيره من المغيبات نؤمن به ولا نشتغل بكيفيته.
والعلاقة بين المعنى اللغوي والاصطلاحي في المعراج يشتركان في أن كلا منهما صعود وعروج من أسفل إلى أعلى، فالعروج لغة الصعود من أسفل إلى أعلى، والعروج شرعا العروج برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا من بيت المقدس إلى السماء بآلة غيبية لا تعلم كيفيتها، فالمعنى اللغوي والاصطلاحي يشتركان في أن كلا منهما فيه الصعود وعروج من أسفل إلى أعلى وهذا قدر مشترك، ثم يأتي المعنى الاصطلاحي بقيود وشروط زائدة على المعنى اللغوي وهو أن العروج بآلة خاصة وغيبية ومن مكان خاص وإلى علو خاص من بيت المقدس إلى السماء، والمعنى اللغوي أوسع دائرة، فإذن عرفنا أن الإسراء هو الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم ليلا من مكة إلى بيت المقدس على الدابة على البراق والبراق دابة فوق الحمار ودون البغل يعني: أكبر من الحمار وأقصر من البغل دابة بيضاء، والعروج هو صعود النبي صلى الله عليه وسلم من بيت المقدس إلى السماء بآلة غيبية.
العلماء لهم أقوال في الإسراء والمعراج هل أسري به -عليه الصلاة والسلام- وعرج به وهو نائم؟ هل أسري به بروحه أو بروحه وجسده؟ العلماء لهم أقوال أربعة في هذا أقوال العلماء في الإسراء والمعراج أربعة:
القول الأول: أن الإسراء كان مناما أسري به صلى الله عليه وسلم وهو نائم وهذا أضعف.
القول الثاني: أن الإسراء كان بروحه صلى الله عليه وسلم دون جسده وهذا نقله إسحاق عن عائشة -رضي الله عنها- ونقل عن معاوية ونقل عن الحسن البصري.
القول الثالث: أن الإسراء كان مرارا مرة مناما ومرة يقظة وبعضهم قال: مرة قبل الوحي ومرة بعد الوحي وبعضهم قال: الإسراء ثلاث مرات مرة قبل الوحي ومرتين بعده وهذا يفعله ضعفاء الحديث كما سيأتي كلما اشتبه عليهم لفظ زادوا مرة يقولون: الإسراء كان مرة مناما وكان مرة يقظة فتكون مرة منام كالتوطئة والتمهيد لليقظة كما حصل في الوحي، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في الوحي أول ما ابتدأ به الرؤيا الصالحة فكان لا يرى رؤيا إلا وقعت مثل فلق الصبح ستة أشهر كان بدئ به الوحي من ربيع إلى رمضان ثم فاجأه الحق وجاء بعد ذلك جبريل وجاءه الوحي في رمضان قالوا: كما أن الوحي كان في المنام ثم في اليقظة فكذلك الإسراء والمعرج كان مرة مناما كتوطئة ثم كان يقظة.
القول الرابع: إن الإسراء كان بروحه وجسده مرة واحدة بعد الوحي يقظة لا مناما وهذا أرجح الأقوال وأصحها، وهذا هو الصواب أن الإسراء والمعراج وقعا في ليلة واحدة في اليقظة لا في النوم بروحه وجسده بجسد النبي صلى الله عليه وسلم وروحه بعد البعثة، فالإسراء كانت بروحه وجسده يقظة لا مناما مرة واحدة في ليلة واحدة بعد البعثة وقبل الهجرة وإلى هذا ذهب جمهور العلماء والمحدثين والفقهاء والمتكلمين وتواردت على هذا القول ظاهر الأخبار الصحيحة، ولا ينبغي العدول عن ذلك وليس في العقل ما يحيل ذلك حتى يحتاج إلى تأويل.

<<  <   >  >>