كلمة القديم ما وردت في أسماء الله، وإنما أحدثها أهل الكلام، لكن الطحاوي -رحمه الله- لما رأى أن هذه الكلمة لا تدل على الاسم الذي ورد في الكتاب والسنة، إنما ورد الأول والآخر. الأول والآخر اسمان لأزلية الله وأبديته، لما رأى الطحاوي هذا قال " قديم بلا ابتداء دائم بلا انتهاء". فقديم بلا ابتداء تساوى اسم الأول، ودائم بلا انتهاء تساوى اسم الآخر، ولكن تسمية الله بأنه قديم محدث، أحدثه أهل الكلام. وأهل السنة والجماعة لا يسمون الله بأنه قديم؛ لأن الأسماء والصفات توقيفية، ومعنى توقيفية أي أننا نقف على ما ورد في الكتاب والسنة، ما ورد في الكتاب والسنة من الأسماء والصفات نثبته لله، وما ورد في الكتاب والسنة نفيًا وعلنًا ننفيه عن الله. وما لم يرد في الكتاب والسنة نفيًا ولا إثباتًا نتوقف: مثل الجسم والحيز والعرض. فقول الطحاوي قديم، دائم، هذا ليس من الأسماء لكن لما رأى ... -والقديم لا يفيد معنى الأول-، لكن لما رأى أنه لا يفيد بقوله قديم بلا ابتداء أي قديم لا ابتداء له، ودائم لا انتهاء لآخريته، قديم لا ابتداء لأوليته، ودائم لا انتهاء لآخريته. لكن ما حاجتنا لها، ينبغي أن نكتفي بما ورد في الكتاب والسنة، فنقول الله الأول والآخر كما قال سبحانه: {هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآَخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٣) } وثبت في صحيح مسلم الدعاء المشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اللهم رب السموات والأرض ورب العرش العظيم ربنا ورب كل شيء فالق الحب والنوى، منزل التوراة والإنجيل والفرقان أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء اقض عنا الدين وأغننا من الفقر) . هذا الحديث فيه إثبات أربعة أسماء لله عز وجل الأول والآخر والظاهر والباطن، وهذه الأسماء الأربعة كل اسمين منها متقابلان فالأول والآخر متقابلان والظاهر والباطن متقابلان. فالأول والآخر اسمان لأزليته وأبديته، فالأول اسم لأبديته -سبحانه وتعالى-، والمعنى أنه الأول الذي ليس لأوليته بداية، والآخر الذي ليس لآخريته نهاية، ولهذا فسَّرها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث فقال: (اللهم أنتَ الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء) . اسمان لأزليته وأبديته، واسمان لعلوه وفوقيته، وعدم حجب شيء من المخلوقات، وأنه لا يحجب شيء من المخلوقات؛ ولهذا قال: وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، وهو سبحانه الظاهر الذي ليس فوقه شيء؛ لأنه -سبحانه وتعالى- فوق السموات، وفوق العرش مستو على عرشه ظاهر بخلقه. وهو الباطن الذي لا يحجبه شيء من المخلوقات لا يخفى عليه شيء يرى كل شيء، ويبصر كل شيء -سبحانه وتعالى-، ولا يخفى عليه شيء من خلقه؛ من أعمالهم وسكناتهم وحركاتهم، والأول والآخر معلوم وصْف الله بالأول والآخر معلوم مستقر في الفِطَر، فإن الموجودات لا بد أن تنتهي إلى واجد الوجود لذاته قطعًا للتسلسل؛ فإننا نشاهد حدوث الحوادث من النبات والحيوان والمعادن وحوادث التحول وغيرها. وهذه المخلوقات ليست ممتنعة؛ لأن الممتنع لا يمكن أن يوجد؛ لأنها وجدت وليست واجبة الوجود لذاتها؛ لأنها كانت معدومة ثم وجدت فدل على أنها جائزة، وجودها جائز ليس ممتنعا؛ لأنها وجدت، والممتنع لا يوجد. وليست واجبة الوجود لذاتها؛ لأنها كانت معدومة ثم وجدت فدل على أنها جائزة، والجائز هو الذي يوجد بعد أن كان معدوما. وهذا المخلوق الذي يوجد بعد أن كان معدوما لا بد له من موجد يوجده، وإلا بقي معدوما كما قال سبحانه: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ (٣٥) } أي حدثوا من غير شيء أم هم أحدثوا أنفسهم لا بد لهم موجد، والله تعالى هو واجد الوجود لذاته -سبحانه وتعالى-، وهو الأول الذي ليس لأوله بداية، والآخر الذي ليس لآخريته نهاية، كما أنه الظاهر الذي ليس فوقه شيء، والباطن الذي ليس دونه شيء -سبحانه وتعالى-. وأما اسم القديم مع أنه لم يرد في الكتاب والسنة إلا أنه لا يفيد التقدم على كل شيء إنما يفيد التقدم تقدما نسبيًّا ولا يفيد التقدم على كل شيء كما قال -سبحانه وتعالى-: {حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (٣٩) } . يسمى العرجون القديم إذا وجد العرجون الجديد لكن ليس متقدما على كل شيء.