الصوم الواجب يقضى عنه، الذي مات وعليه أيام من رمضان، أو مات وعليه صوم نذر أو كفارة، هذا يقضى عنه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح حديث عائشة الذي رواه الشيخان: (من مات وعليه صيام صام عنه وليه) إذا كان عليه صيام نعم، أما تصوم تطوع وتنوي ثوابه للميت ما عليه دليل واضح.
هذا، فإذن المسألة فيها هذه المذاهب الثلاثة: مذهب الشافعية، والمالكية قالوا: لا ينتفع إلا بثواب الأعمال المالية بالإضافة إلى ما تسبب به في الحياة.
من أدلة أهل البدع والمعتزلة على أن الميت لا ينتفع إلا بما تسبب به في الحياة قول الله تعالى {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) } قالوا: وجه الدلالة أن الله حصر ملكية الإنسان لسعيه فدل على أنه لا ينتفع بسعي غيره.
وأجيب عنه بجوابين:
الأول من وجهين: أحدهما: أن الإنسان بسعيه وملاطفته وحسن عشرته اكتسب الأصدقاء، وأولد الأولاد ونكح الأزواج، وأسدى الخير وتودد إلى الناس فترحموا عليه ودعوْا له، وأهدوا له ثواب الطاعة فكان ذلك أثرَ سعيه. الثاني: أن دخول المسلم مع جملة المسلمين في عقد الإسلام من أعظم الأسباب في وصول نفع كل من المسلمين إلى صاحبه في حياته وبعد مماته ودعوة المسلمين تَعُمُّه.
الجواب الثاني: وهو أقوى من الأول أن المنفي الملك لا الانتفاع، فالقرآن في قول الله: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى (٣٩) } لم ينف انتفاع الرجل بسعي غيره، وإنما نفى ملكه لغير سعيه، وبين الأمرين من الفرق ما لا يخفى، فاللام في قوله: {لِلْإِنْسَانِ} للملك.
الدليل الثاني: استدلوا بقول الله تعالى {وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٥٤) } .
ووجه الدلالة: أن الله حصر الجزاء في العمل للشخص نفسه فدل على عدم انتفاعه بعمل غيره.
وأجيب بأن سياق هذه الآية يدل على أن المنفيَّ عقوبةُ العبد بعمل غيره بدليل صدر الآية {فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا} ولم تنف الآية انتفاع الإنسان بعمل غيره.
الدليل الثالث: استدلوا بقول الله تعالى {لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} .
وجه الدلالة: قالوا إن الله حصر كسب الإنسان واكتسابه عليه فدل على عدم انتفاعه بكسب غيره.
وأجيب بأن الآية أثبتت ملك الإنسان لكسبه، ولم تنف انتفاعه بكسب غيره بل إن كسب غيره ملك لكاسبه، فإن شاء أن يبذله لغيره، وإن شاء يبقيه لنفسه.
واستدلوا أيضا -الدليل الرابع- بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم أنه قال (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو ولد صالح يدعو له، أو علم ينتفع به)
وجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه إنما ينتفع بما كان تسبب به في الحياة، وما لم يكن تسبب به في الحياة فهو منقطع عنه.
وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بانقطاع عمله ولم يخبر بانقطاع انتفاعه بعمل غيره بل إن عمل غيره لعامله، فإن وهبه له وصل إليه ثواب عمله، فالمنقطع شيء، والواصل إليه ثوابه شيء آخر.
واستدل المالكية والشافعية على أن الميت ينتفع بالدعاء والصدقة والحج فقط استدلوا بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الدعاء فاستدلوا عليه بأربعة أنواع:
النوع الأول: نصوص أدعية الناس بعضهم لبعض كقوله تعالى {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} .
وجه الاستدلال: أن الله أثنى عليهم باستغفارهم للمؤمنين قبلهم فدل على انتفاعهم باستغفار الأحياء، ولو كان غير نافع ما استحقوا الثناء.
النوع الثاني: إجماع الأمة على الدعاء في صلاة الجنازة.
النوع الثالث: نصوص الدعاء للميت بعد الدفن، كما في حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه فقال: استغفروا لأخيكم وسلوا له التثبيت فإنه الآن يسئل) .
النوع الرابع: نصوص الدعاء للأموات عند زيارة قبورهم كما في حديث بريدة بن حصين - رضي الله عنه - قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر أن يقولوا: السلام عليكم أهل الديار من المسلمين والمؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية) .
واستدلوا على وصول ثواب الصدقة بما في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي افتُلِتَتْ نفسها -يعني ماتت فجأة- وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفلها أجر إن تصدقت عنها قال نعم)
وفي صحيح البخاري عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- (أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت وأنا غائب عنها فهل ينفعها إن تصدقت عنها؟ قال: نعم، قال: فإني أشهدك أن حائط المصرافة صدقة عنها)