ومنها حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - (إن لي حوضا طوله ما بين الكعبة إلى بيت المقدس أشد بياضا من اللبن آنيته عدد نجوم السماء وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام، ومنهم من يأتيه العصبة، ومنهم من يأتيه النفر، ومنهم من يأتيه الرجلان والرجل، ومنهم من لا يأتيه أحد فيقال: لقد بلغت وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة) .
مسألة: الحوض قبل الصراط أو بعد الصراط في هذه المسألة قولان للسلف في هذه المسألة قولان: أحدهما أن الحوض يورد بعد الصراط يعني: يكون المرور على الصراط أولا ثم بعد المرور على الصراط يورد الحوض واختار هذا الحافظ ابن حجر -رحمه الله- والسيوطي -رحمهما ال-له واحتج هؤلاء بحديث النضر بن أنس، فإن ظاهره يقتضي ذلك وذلك أن النضر قال:(سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي يوم القيامة قال: أنا فاعل قال: وأين أطلبك يا نبي الله؟ قال: اطلبني أول ما تطلبني عند الصراط قال: قلت: فإن لم ألقك على الصراط؟ قال: فأنا عند الميزان قال: قلت: فإن لم ألقك عند الميزان؟ قال: فأنا عند الحوض لا أخطئ هذه الثلاثة مواطن يوم القيامة) .
وكذلك أيضا من أدلتهم حديث لقيط واقد بني المنتفق فإن فيه أنه قال في آخر الحديث:(فتطلعون على الحوض) يعني: بعد المرور على الصراط القول الثاني: أن الحوض يكون في الموقف قبل الصراط وهذا هو الصواب هذا هو الصحيح لما يأتي من الأدلة من الشرع والعقل، منها من أدلة هذه القول الأحاديث التي تدل على منع المرتدين على أعقابهم وأنهم يذادون عن الحوض كحديث أنس - رضي الله عنه - (ليردن علي ناس من أصحابي حتى إذا عرفتهم اختلجوا دوني فأقول: أصحابي، فيقال: لا تدري ما أحدثوا بعدك) ومنها حديث سهل بن سعد الأنصاري - رضي الله عنه - (إني فرطكم على الحوض من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ليردن علي أقوام أعرفهم ويعرفونني، ثم يحال بيني وبينهم - وزاد أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - فأقول: إنهم من أمتي فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول: سحقا سحقا لمن غير بعدي) .
فهذه الأحاديث تدل على أن الحوض يورد قبل الصراط من وجهين الأول: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض لكان مثل هؤلاء المذادين الذين يذادون عن الحوض ويطردون لا يجاوزون الصراط؛ لأنهم إن كانوا كفارا فالكافر لا يجاوز الصراط بل يكب على وجهه في النار قبل أن يجاوزه وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين، فهؤلاء وإن كانوا عصاة وهم من المسلمين فجازوا الصراط لم يشفع لهم في دخول النار أو عفا الله عنهم بدون شفاعة، وإن لم يكن شفاعة ولا عفو دخلوا النار ولبثوا فيها بقدر عصيانهم وحينئذ يلزم حجبهم عن الحوض مع أنهم من المسلمين وهذا بعيد حجبهم عن الحوض لا سيما وعليهم سيما الوضوء وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (أعرفهم غرا محجلين من أثر الوضوء) .
الثاني: لو كان الورود على الصراط قبل الحوض للزم ألا يحجب عن الحوض أحد؛ لأن من جاوز الصراط لا يكون إلا ناج مسلم ومثل هذا لا يحجب عن الحوض، ومن الأدلة من العقل أن الناس يردون الموقف عطاشا فمن المناسب ورود المؤمنين الحوض قبل مرورهم على الصراط، وأما حديث النضر بن أنس الذي استدل به أهل القول الأول على أن الصراط يكون قبل الحوض يجاب عنه بأجوبة: منها: أن المراد بالحوض فيه حوض آخر يكون بعد الجواز على الصراط لا يذاد عنه أحد كما جاء في بعض الأحاديث كحديث لقيط بن عامر وفيه: (ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار فيطأ أحدكم الجمر فيقول: حس يقول ربك عز وجل أو أنه ألا فتطلعون على حوض نبيكم على أظمأ -والله- ناهلة عليها قط ما رأيتها، فلعمر إلهك ما يبسط أحد منكم يده إلا وضع عليها قدح يطهره من الطوف والبول والأذى) .
ثانيا: أن الحوض نفسه يمتد إلى ما وراء الجسر كما يفيده حديث ليقط هذا وأن المؤمنين إذا جاوزوا الصراط وقطعوه دنا لهم الحوض فشربوه منه فإنه ورد أن طوله شهر وعرضه شهر، فإذا كان بهذا الطول والسعة فما الذي يحيل امتداده إلى ما وراء الجسر، وعلى هذا فيرده المؤمنون مرتين مرة قبل الصراط ومرة بعده جمعا بين الأدلة وهذا في حيز الإمكان ووقوعه موقوف على خبر الصادق.
وهذا كلام العلامة ابن القيم -رحمه الله- في زاد المعاد يقول: إذا كان الحوض بهذه السعة طوله شهر مسافته شهر فهذا يدل على أنه يمتد وأنه طويل وأنه يكون ما وراء الجسر وأن الناس يردونه مرة قبل الصراط ومرة بعد المرور على الصراط، وجمع بعض أهل العلم فقال: إن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين: أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وهو الكوثر وكل منهما يسمى كوثرا، ولكن هذا لا يصلح جوابا عن حديث النضر؛ لأنه صرح أنه يوم القيامة وأجاب الحافظ ابن حجر -رحمه الله- عن هذا الجواب قال: وفيه نظر؛ لأن الكوثر نهر داخل الجنة وماؤه يصب في الحوض ويطلق على الحوض كوثرا لكونه يمد من نهر الكوثر.