والخلاصة أن المنفي الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه كما يشفع الناس بعضهم عند بعض فيقبل المشفوع إليه شفاعة شافع لحاجته إليه رغبة ورهبة، وكما يعامل المخلوق المخلوق بالمعاوضة الكفار لا تنفعهم شفاعة الشافعين في الآخرة، ولكن قد يخف العذاب عن بعض الكفار بسبب نصرته ومعونته فإنه تنفعه الشفاعة في تخفيف العذاب لا في إسقاط العذاب بالكلية، وهذا خاص بأبي طالب وخاص بالنبي صلى الله عليه وسلم وبهذا يتبين أن أدلة الخوارج والمعتزلة إنما هي الأدلة التي يستدل بها كلها في الكفرة.
التوسل طلب الشفاعة والاستشفاع طلب الشفاعة وهي الانضمام وانضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يطلبه ويروجه، الاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم وغيره في الدنيا إلى الله في الدعاء بمعنى التوسل به إذا قال إنسان: أنا أتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم أو أنا أستشفع بالنبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا فما المراد بالتوسل والاستشفاع؟ وهل هو جائز أو غير جائز؟.
الجواب: أن هذا مجمل فيه تفصيل؛ لأن التوسل والاستشفاع بالنبي صلى الله عليه وسلم يراد به ثلاثة أمور أمران متفق عليهما بين المسلمين والثالث مختلف فيه، أما الأمران المتفق عليهما التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته فهذا فرض لا يتم الإيمان إلا به وهو أصل الإيمان والإسلام.
الثاني: التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم بمعنى التوسل بدعائه وشفاعته وهذا أيضا جائز ونافع يتوسل به من دعا له وشفع وهذا كان في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ويكون يوم القيامة يتوسلون بشفاعته، ومن أنكر التوسل بالرسول صلى الله عليه وسلم بأحد هذين المعنيين فهو كافر مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل مرتدا، وإن كان الثاني أخفى من الأول التوسل بالنبي بمعنى التوسل بالإيمان به وطاعته هذا فرض أو التوسل بدعائه بمعنى أنه يدعو وأنت تؤمن كما في حياته وكما يكون يوم القيامة.
الثالث: التوسل بمعنى الإقسام على الله بذاته والسؤال بذاته فهذا هو الذي لم تكن الصحابة يفعلونه في الاستسقاء ونحوه لا في حياته ولا بعد مماته لا عند قبره ولا غير قبره ولا يعرف هذا في شيء من الأدعية.
فالصواب: أن هذا ممنوع فإذا التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم التوسل بالإيمان به هذا فرض التوسل بدعائه في حياته ويوم القيامة هذا أيضا جائز التوسل بذاته هذا ممنوع، وأما حديث الأعمى الذي فيه قل:(اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة يا محمد إني أتشفع بك في رد بصري اللهم شفعه في) فالصواب أن الأعمى توسل بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يدعو النبي صلى الله عليه وسلم وهو يؤمن فإذا التوسل بالذات هذا ممنوع وكذلك التوسل بالجاه كأن يقول: أتوسل بجاه فلان أو بحق فلان أو بحرمة فلان هذا ممنوع وهذا مبتدع.
ولكن التوسل الشرعي إما بدعاء الحي الحاضر كأن يدعو وأنت تؤمن أو تتوسل بالإيمان والتوحيد -إيمانك بالله ورسوله وتوحيده- أو تتوسل بعملك الصالح كالثلاثة كما توسل الثلاثة الذين دخلوا الغار فانطبقت عليهم الصخرة توسل أحدهم ببره لوالديه، والثاني توسل بعفته عن الزنا، والثالث توسل بأمانته هذا بعملك الصالح تتوسل بفقرك وحاجتك إلى الله لا بأس كقول موسى: {إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (٢٤) } هذا لا بأس تتوسل بدعاء شخص حاضر تتوسل بالتوحيد والإيمان تتوسل بأعمالك الصالحة تتوسل بفقرك وحاجتك إلى الله تتوسل بأسماء الله وصفاته لا بأس، أما أن تتوسل بذاته فلان هذا ممنوع تتوسل بجاه فلان هذا ممنوع تتوسل بحرمة فلان هذا ممنوع تتوسل بحق فلان هذا ممنوع. وفي الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة -رضي الله عنهم- في حديث الشفاعة.
منهما عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلحم فدفع إليه منها الذراع وكانت تعجبه فنهس منها نهسة ثم قال: أنا سيد الناس يوم القيامة وهل تدرون مم ذاك؟ يجمع الله الأولين والآخرين في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ولا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم إلى ربكم؟ فيقول بعض الناس لبعض: أبوكم آدم فيأتون آدم فيقولون: يا آدم أنت أبو البشر خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه وأمر الملائكة فسجدوا لك فاشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فيقول آدم: إن ربي قد غضب اليوم غضبا لم يغضب قبله مثله ولن يغضب بعده مثله وإنه نهاني عن الشجرة فعصيت، نفسي نفسي نفسي.