كما في قوله سبحانه: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) } ووصفه بأنه كريم، كما في قوله تعالى: {فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (١١٦) } وكما تمدح -سبحانه- بأنه ذو العرش كما في قوله: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آَلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (٤٢) } وقال سبحانه: {رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ صلى الله عليه وسلمèŒ الْعَرْشِ يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ} كما أخبر -سبحانه- أن للعرش حملة، فقال: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ} وقال: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧) } فأخبر أن للعرش حملة اليوم ويوم القيامة، وأن حملته ومن حوله يسبحون بحمد ربهم، ويستغفرون للمؤمنين كما أخبر -سبحانه- أن عرشه كان على الماء قبل أن يخلق السماوات والأرض، فقال -سبحانه-: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ} كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن للعرش قوائم، ففي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا تخيروا بين الأنبياء، فإن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق فإذا أنا بموسى آخذ بقائمة من قوائم العرش فلا أدري أفاق قبلي أم جزي بصعقة يوم الطور) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العرش فوق الفردوس، الذي هو أوسط الجنة وأعلاها، وأن الجنة مائة درجة، ما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض، والفردوس أعلاها، وفوقه عرش الرحمن، ففي الحديث: (إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن العرش مقبب
على هذا العالم مقبب كما في حديث الأعرابي (أتدري ما الله؟ إن عرشه فوق سماواته هكذا وأشار بيده مثل القبة) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن التقدير بعد وجود العرش وقبل خلق السماوات والأرض.
ففي حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء) .
فتلخص من مجموع هذه النصوص في أوصاف العرش ما يأتي:
أولا: أن الله مدح نفسه بأنه رب العرش وذو العرش مما يدل على أهمية العرش وميزته على المخلوقات.
ثانيا: وصف العرش بأنه عظيم، وأنه كريم، وأنه مجيد.
ثالثا: وصف العرش بأن له حملة، وأن الملائكة تحف به من حوله.
رابعا: أن العرش هو أعلى المخلوقات وسقفها، فهو فوق الفردوس الذي هو وسط الجنة وأعلى الجنة.
خامسا: أن للعرش قوائم.
سادسا: أن العرش مقبب على العالم.
سابعا: أن العرش سابق وجوده على تقدير المقادير، وأن تقدير المقادير سابق خلق السماوات والأرض، هذا هو الصواب، وذهب بعض أهل الكلام إلى أن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه، محيط بالعالم من كل جهة، وربما سموه الفلك التاسع والفلك الأطلس.
يقول بعض أهل الكلام: إن العرش فلك مستدير من جميع جوانبه محيط بالعالم من كل جهة، يعني أن العرش مغلف لجميع العالم، فالعالم كله السموات والأرض كلها في جوف العرش هذا قاله بعض أهل الكلام، لكن هدا ليس بصحيح لأنه قد ثبت في الشرع أن له قوائم كما سبق في حديث الصحيحين.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: العرش مقبب ولم يثبت أنه مستدير مطلقا بل ثبت أنه فوق الأفلاك وأن له قوائم وفي علوه قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سألتم الله، فاسألوه الفردوس، فإنه وسط الجنة وأعلاها، وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة) وعلى كل تقدير، فالعرش فوق المخلوقات سواء كان محيطا بالأفلاك أو غير ذلك، وهو فوق الكرسي، والكرسي فوق الأفلاك كلها، ونسبة الأفلاك وما فيها إلى الكرسي كحلقة في فلاة، قال تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} إذن العرش أعظم المخلوقات، ثم يليه في العظم الكرسي، وهو مخلوق عظيم، وقد نقل بعضهم أن الكرسي هو علم الله، لكن هذا قول ضعيف، ونسبته إلى ابن عباس لم تثبت، فإن علم الله وسع كل شيء كما قال تعالى: {رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا} والله يعلم نفسه، ويعلم ما كان وما لم يكن، ولو فسر الكرسي بالعرش، ولو فسر الكرسي بالعلم في الآية لقيل وسع علمه السماوات والأرض، وهذا المعنى لا يكون مناسبا لا سيما، وقد قال تعالى: {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي: لا يثقله ولا يترفه، وهذا يناسب القدرة لا العلم، وقال بعضهم: إن الكرسي هو العرش، لكن الأكثرون أنهما شيئان، إذن الأقوال ثلاثة، قيل: العرش مخلوق، قيل: إن الكرسي هو العرش، وقيل: إن الكرسي مخلوق آخر غير العرش، وقيل: إن الكرسي هو العلم.