والسؤال عن الله بأين وإقرار الجارية على أن الله في السماء يدل دلالة قطعية على إثبات علو الله على خلقه، والرسول صلى الله عليه وسلم منزه عن أن يسأل سؤالا فاسدا، ومنزه -أيضا- عن أن يقر الجارية أيضا على جواب فاسد، ويلزم من يقول: إن الرسول صلى الله عليه وسلم خاطب الجارية بما تعرف، وإن كان على خلاف الحقيقة أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يبين الحق وأن يكون قد أقر على الخطأ وما شاه صلى الله عليه وسلم من ذلك يعني المعطلة هذا الحديث في صحيح مسلم قال النبي صلى الله عليه وسلم للجارية:(أين الله قالت: في السماء قال: اعتقها فإنها مؤمنة) ماذا يجيب أهل البدع أهل البدع أهل البدع يقولون: لو رفعت إصبعك إلى السماء عند الجهمي والمعتزلي قطع أصبعك، يقول: لا تشير إليه هو في كل مكان، فاحذر أن ترفع أصبعك عند جهمي أو معتزلي، وليس عندك أحد يقطع أصعبك يقول: هذا تنزيه لله، هذا قذف الله جعلته محصور في مكان، فقيل لهم الرسول قال: أين الله؟ وأين يسأل عنها في المكان، قالوا: هذا الرسول صلى الله عليه وسلم سأل سؤالا فاسدا، هذا يخاطبها بقدر عقلها، هذه جارية جاهلة ما تفهم أعجمية، فهو يخاطبها على مقدار فهمها، وإلا مقصود الرسول أن يقول: من الله؟ مقصوده أن يقول: من الله؟ لكن قال: أين لأن من غير من يسأل بها عن الشيء، أما أين يسأل بها عن المكان، فقالوا: أين الله؟ مقصود الرسول أن يقول: من الله، لكن الجارية ما تفهم خاطبها بمقدار عقلها أعجمية، الرسول أفصح الخلق ما يقدر أن يقول: من الله طيب، ولما قالت: في السماء، قال الرسول:(أعتقها فإنها مؤمنة) قالوا: أقرها على جواب فاسد موافقة لعقلها.
هذه أربعة عشر نوع من أيش؟ أربعة عشر نوع من الأدلة، وكل نوع تحته من تحته أفراد، هذه تعتبر قواعد المبتدعة، هل سكتوا اعترضوا على هذه الأدلة، وأجاب أهل السنة على اعتراضهم، وهناك أدلة عقلية لأهل السنة واعتراض وجواب عليه، وهناك أيضا أدلة من الفطرة واعتراض من النفاة وجواب عليه، وهناك أدلة أيضا عقلية لأهل البدع للنفاة وجواب عليهم.
في مبحث العلو اعترض النفاة على الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة على علو الله على خلقه، وهي كما سبق أربعة عشر نوعا من الأدلة اعترض نفاة العلو على الأدلة العقلية التي تثبت علو الله على خلقه بذاته، وتأولوها بأن المراد بها علو وفوقية القدر والعظمة والشأن وعلو وفوقية القهر والغلبة والسلطان، تأولوها بأنها بأن المراد بها علو وفوقية القهر، علو وفوقية القدر والعظمة والشأن والخيرية والأفضلية وفوقية القهر والغلبة والسلطان لأن النفاة يثبتون هذين النوعين من العلو، وهو علو القهر وعلو القدر، والخلاف بينهم وبين أهل السنة في علو الذات قالوا: فمعنى قوله سبحانه: {فَوْقَ عِبَادِهِ} خير من عباده وأفضل، ومعنى كونه فوق العرش، خير من العرش وأفضل، قالوا: ونظير ذلك قول العرب: الأمير فوق الوزير، والدينار فوق الدرهم، والذهب فوق الفضة، قالوا: هذا يدل على أن المراد بالفوقية الخيرية الأمير فوق الوزير، يعني في الرتبة، والدينار فوق الدرهم، والذهب فوق الفضة في الرتبة، وليس المراد أن ذاك فوق ذاك.
أجاب أهل الحق أن هذا الاعتراض بأجوبة:
الجواب الأول: أن صرف الفوقية إلى فوقية الرتبة، أو إلى فوقية القهر، حمل حمل على المجاز حمل للفظ على مجازه، وهذا خلاف الأصل، إذ الأصل الحقيقة وحقيقة الفوقية علو ذات الشيء على غيره، والمجاز على خلاف الأصل؛ لأنه خلاف الظاهر، فلا يقبل إلا بدليل يخرجه عن حقيقته، كما في قوله تعالى حكاية عن فرعون أنه قال: {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ (١٢٧) } فهذه فوقية قهر وغلبة؛ لأنه قد علم أنهم جميعا مستقرون على الأرض، ولا يلزم مثل ذلك في قوله تعالى:{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} إذ قد علم بالضرورة أنه وعباده ليسوا مستوين في مكان واحد، حتى تكون فوقية قهر وغلبة.
الجواب الثاني: أن تفضيل الله -سبحانه- على أحد من خلقه لم يذكر في القرآن ابتداء، وإنما ورد ذلك في سياق الرد على من اتخذ ذلك الشيء ندا لله -تعالى-، وعبده معه، وأشركه في إلهيته، فبين الله -سبحانه- أنه خير من تلك الآلهة، وذلك الند كقوله -تعالى-: {آَللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (٥٩) } وقوله سبحانه: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (٣٩) } وقوله حكاية عن سحرة فرعون: {إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (٧٣) } وقوله: {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (١٧) } وذلك لأنه يحسن في الاحتجاج على المنكر وإلزامه من الخطاب الداحض لحجته ما لا يحسن في سياق غيره، وهذا أمر واضح لا ينكره إلا غبي.