كان مفهوما من قوله: إنه في السماء، أنه في العلو، وأنه فوق كل شيء، وكذلك الجارية لما قال لها:(أين الله؟ قالت: في السماء) إنما أرادت العلو مع عدم تخصيصه بالأجسام المخلوقة وحلوله فيها، وإذا قيل العلو، فإنه يتناول ما فوق المخلوقات كلها، فما فوقها كلها هو في السماء، ولا يقتضي هذا أن يكون هناك ظرف وجودي يحيط به؛ إذ ليس فوق العالم شيء موجود إلا الله كما لو قيل: العرش في السماء فإنه لا يقتضي أن يكون العرش في شيء آخر موجود مخلوق، وإن قدر أن السماء المراد بها الأفلاك كان المراد أنه عليها، كما قال تعالى:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} وكما قال: {فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} وكما قال: {فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ} ويقال: فلان في الجبل وفي السطح، وإن كان على أعلى شيء منه.
ثانيا: ثم من توهم أن كون الله في السماء بمعنى أن السماء تحيط به، فهو كاذب إن نقله عن غيره، وضال إن اعتقده في ربه، وما سمعنا أحدا يفهمه من اللفظ، ولا رأينا أحدا نقله عن واحد، ولو سئل سائر المسلمين: هل يفهمون من قوله سبحانه ورسوله: إن الله في السماء أن السماء تحويه؟ لبادر كل أحد منهم أن يقول: هذا شيء لعله لم يخطر ببالنا وإذا كان الأمر هكذا، فمن التكلف أن يجعل ظاهر اللفظ، أن يجعل أحد ظاهر اللفظ شيئا محالا لا يفهمه الناس منه، ثم يريد أن يتأوله، بل عند المسلمين إن الله في السماء، وهو على العرش واحد، إذ السماء إنما يراد به العلو بمعنى أن الله في العلو لا في السفل، وقد علم المسلمون أن كرسيه سبحانه وسع السماوات والأرض، وأن الكرسي في العرش كحلقة ملقاة بأرض فلاة، وأن العرش خلق من مخلوقات الله لا نسبة له إلى قدرة الله وعظمته، فكيف يتوهم بعد هذا أن خلقا يحصره ويحويه.
ثالثا: وما في الكتاب والسنة كقوله سبحانه: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ} ونحو ذلك قد يفهم منه بعضهم أن السماء هي نفس المخلوق العالي العرش، العرش فما دونه، فيقولون: قوله: في السماء، يعني على السماء، كما قال:{وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي على جذوع النخل، وكما قال:{فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ} أي على وجه الأرض ولا حاجة إلى هذا، بل السماء اسم جنس للعالي، لا يخص شيئا، فقوله: في السماء، أي في العلو دون السفل، وهو العلي الأعلى، فله أعلى العلو، وهو ما فوق العرش، وليس هناك غيره العلي الأعلى سبحانه وتعالى.