أما الذين قالوا: إن خلافة أبي بكر ثبتت بالنص فاستدلوا بأدلة، وهذا قول طوائف من أهل الحديث والمتكلمين. ويروى عن الحسن البصري استدلوا بأدلة بأنواع من الأدلة: النوع الأول: قصة المرأة التي وعدها أن تأتي أبا بكر إن لم تجده (جاءت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم لما أرادت أن تنصرف قالت: يا رسول الله إن لم أجدك؟ قال إن لم تجديني فأتي أبا بكر) قالوا: هذا دليل على أنه نص على أن أبا بكر هو الخليفة بعده.
وأجيب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد وكل أبا بكر في قضاء الحوائج وقد يُوَكَّلُ في قضاء الحوائج مَن لا يصلح للخلافة. النوع الثاني: الأمر بالاقتداء به يقول النبي صلى الله عليه وسلم (اقتدوا بالَّذَيْنِ من بعدي: أبي بكر وعمر) قالوا: هذا دليل، نص على أنه هو الخليفة.
وأجيب بأنه قد يصلح للقدوة مَن لا يصلح للخلافة. الثالث: دخول النبي صلى الله عليه وسلم على عائشة وهمه بما هم به دخل على عائشة وقال: (ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب كتابا -وفي لفظ- حتى لا يطمع في هذا الأمر طامع، ثم لم يكتب وقال: يأبى الله ورسوله والمسلمون إلا أبا بكر) .
وأجيب بأن الرسول صلى الله عليه وسلم وكل الخلافة إلى قضاء الله وترك الأمر للمسلمين، والمعنى يأبى الله قضاء وقدرا والمسلمون اختيارا وانتخابا إلا أبا بكر. الرابع: أحاديث تقديمه في الصلاة: النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي قال: (مروا أبا بكر فليصل بالناس) قالوا: هذا نص على أنه هو الخليفة بعده. وأجيب بأنه قد يصلح للإمامة في الصلاة من لا يصلح للإمامة العظمى. الخامس: المنامات يعني رُؤَى ومنامات فيها (أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى كأنه نزع دلوا، أن النبي نزع دلوا ونزع بعده أبو بكر وشرب وفي شربه ضعف ثم نزع عمر فاستحالت غربا) وفي رؤيا (أنه نزل ميزان من السماء فوزن النبي صلى الله عليه وسلم بأبي بكر فرجح النبي صلى الله عليه وسلم ووزن أبو بكر بعمر فرجح أبو بكر بعمر .... ثم رفع الميزان) وقصص أخرى من المنامات قالوا: هذا دليل نص على أن أبا بكر هو الخليفة بعد.
وأجيب بأن هذا المنامات لو كانت نصا في خلافة أبي بكر لكانت نصا في خلافة عمر وعثمان لكن لم يذهب أحد إلى أن المنامات نص في خلافة عمر وعثمان فدل على أنها كشف للمستقبل ومبشرات.
ومن أدلتهم قالوا اختصاص أبو بكر بالخلة لو كان هناك موضع لها لقوله صلى الله عليه وسلم (لو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا ولكن صاحبكم خليل الرحمن) قالوا هذا نص في أنه الخليفة بعده. وأجيب بأن الخلة شيء وسياسة الأمور شيء آخر.
شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: والتحقيق في خلافة أبي بكر -وهو الذي يدل عليه كلام أحمد- أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم، هذا كلام من شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- يقول: والتحقيق في خلافة أبى بكر -وهو الذي يدل عليه كلام أحمد الإمام أحمد- أنها انعقدت باختيار الصحابة ومبايعتهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بوقوعها على سبيل الحمد لها والرضا بها، وأنه أمر بطاعته وتفويض الأمر إليه، وأنه دل الأمة وأرشدهم إلى بيعته.
فهذه الأوجه الثلاثة: الخبر، والأمر، والإرشاد ثابت من النبي صلى الله عليه وسلم فالأول كالمنامات، والثاني كحديث (اقتدوا بالَّذَيْنِ من بعدي أبي بكر وعمر) والثالث تقديمه له في الصلاة، وبهذا يتبين أن الصواب في المسألة أن خلافة أبا بكر الصديق ثبتت باختيار الصحابة ومبايعتهم.
وأما قول الإمامية، وهي أقوال باطلة، من الأقوال: قول الإمامية الرافضة: إن الخلافة ثبتت بالنص الجلي على عليٍّ وكذلك قول الزيدية الجارودية ثبتت بالنص الخفي عليه، وقول الرواندية: إنها ثبتت بالنص على العباس، فهذه أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين.
يقول شيخ الإسلام: هذه الأقوال أقوال ظاهرة الفساد عند أهل العلم والدين وإنما يدين بها إما جاهل، وإما ظالم وكثير مما يدين بها زنديق. هذا كلام شيخ الإسلام -رحمه الله- يعني من يقول: إن الخلافة ثبتت لعلي أو العباس أو كذا هذه أقوال الزنادقة لا يُعَوَّل عليها.
أما خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فإنها ثبتت الخلافة بالعهد من أبي بكر، أبو بكر عَهِدَ بالخلافة إلى عمر فبايعه الناس، وثبتت له البيعة، وذلك بتفويض أبو بكر الخلافة إليه، واتفاق الأمة بعده عليه، وفضائل عمر كثيرة، والأدلة في هذا كثيرة.
ثبوت الخلافة لعثمان بن عفان - رضي الله عنه - ثبتت الخلافة لعثمان - رضي الله عنه - بمبايعة عبد الرحمن بن عوف له والناس معه والمهاجرون والأنصار، وأمراء الأجناد والمسلمون، وذلك بعد أن عهد عمر إلى الستة: أهل الشورى، ومعروف قصة قتل عمر، وقصة دفنه، وقصة البيعة وأهل الشورى هذه سردها الإمام البخاري في صحيحه الحديث الطويل، الحديث الطويل ذكر فيه قصة قتل عمر وقصة دفنه وقصة البيعة وأمر الشورى.