نعم، هناك فرق بين النبي والرسول، من العلماء من قال: إن الفرق بين النبي والرسول أن كلا من النبي والرسول يوحى إليه، لكن الرسول يوحى إليه بشرع ويؤمر بتبليغه، والنبي يوحى إليه ولا يؤمر بتبليغه، فإذا أوحي إليه وأمر بتبليغه كان رسولا، وإن لم يأمر بتبليغه كان نبيا.
ولكن هذا قول مرجوح، والصواب أن الفرق بين النبي والرسول: أن الرسول هو الذي يرسل إلى أمة كافرة فيؤمن به بعضهم ويكفر به بعضهم، نوح -عليه الصلاة والسلام- أرسل إلى الكفار، آمن به بعضهم وكفر به بعضهم، هود رسول، صالح رسول.
والذين أرسلوا بشرائع يرسلون إلى أمم كافرة، وينزل عليهم شرائع، أوامر ونواهٍ، يؤمن به بعضهم، ويكفر به بعضهم، مثل نوح، وهود، وصالح، وشعيب، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
أما النبي فهو الذي يرسل إلى قوم مؤمنين -ما يرسل إلى الكفار- يرسل إلى قوم مؤمنين، ويكلف بالعمل بشريعة سابقة، فمثلا آدم -عليه الصلاة والسلام- نبي، لكنه نبي إلى بنيه، ولم يقع الشرك في زمانه، وشيث نبي.
ولهذا كان نوح أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض بعد وقوع الشرك، فنوح أول رسول بعثه الله بعد وقوع الشرك، ولأنه أرسل إلى بنيه وإلى غير بنيه، أما آدم قبله، وكذلك أيضا شيث قبله، لكن ما وقع الشرك، وقعت المعاصي كما قتل قابيل أخاه هابيل.
ولهذا قال الله سبحانه: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ} {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} .
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام، ثم وقع الشرك، هذا معنى قوله: {كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} .
وبالمثل داود وسليمان أنبياء؛ لأنهم كلفوا بالعمل بالتوراة جميعا إلى بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى، داود وسليمان وزكريا ويحيى كلهم كلفوا بالعمل بالتوراة حتى جاء عيسى، هؤلاء هم الأنبياء، فالأنبياء على هذا.
فالصواب الذي أقره وحكمه أهل العلم: أن الرسول هو الذي يبعث إلى أمة من أهل الشرائع الكبيرة، الذين يرسلون إلى أمم، إلى أمة كافرة، يؤمن به بعضهم ويكفر بعضهم.
والأنبياء هم الذين يوحى إليهم، ويرسلون إلى المؤمنين خاصة، ويكلفون بالعمل بشريعة سابقة.
وإلى هنا نكتفي، وفق الله الجميع لطاعته، ورزق الله الجميع العلم النافع والعمل الصادق، وصلى الله على محمد وآله وأصحابه وسلم.
سبق بالأمس الكلام على الفروق بين النبي وبين الرسول، وقلنا: إن الصواب أن الفرق بين النبي والرسول أن الرسول هو الذي يأتي بشريعة مستقلة، وأنه يرسل إلى قوم يؤمن به بعضهم ويكفر به بعضهم، كنوح وهود وصالح وشعيب وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد -عليهم الصلاة والسلام-.
أما النبي فهو الذي يكلف بالعمل بشريعة سابقة، أو يرسل إلى مؤمنين، فأنبياء بني إسرائيل الذين جاءوا بعد موسى -عليه الصلاة والسلام- كلهم كلفوا بالعمل بالتوراة، ويسمون أنبياء، داود وسليمان وزكريا ويحيى إلى آخره حتى جاء عيسى، وعيسى -عليه السلام- جاء بشريعة مستقلة، وهو تابع أيضا لما جاء في التوراة، ولكنه خفف بعض الأحكام وقال: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} .
وجاء سؤال بالأمس في قصة يونس -عليه الصلاة والسلام-، وأنه أُرسل إلى أمة، وأنهم آمنوا، كان السؤال هل ينطبق هذا على يونس؟ نقول: نعم، ينطبق هذا على يونس؛ لأن يونس جاء بشريعة مستقلة.
وثانيا: أن يونس في الأول ردوا عليه دعوته، ردوا عليه دعوته فغاضبهم نبيهم يونس، وتركهم وذهب، وركب البحر وهو مغاضب {فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ (١٤٢) } فلما ذهب ندم قومه، وتمنوا رجوعه، لما رأوا أسباب العذاب تمنوا رجوعه، ثم أرسله الله إليهم مرة أخرى فآمنوا كما قال صلى الله عليه وسلم (أرسله الله إلى مائة ألف أو يزيدون فآمنوا) .
فهم في الأول صدوا، ما آمنوا أولا أنه جاء بشريعة مستقلة، ثانيا: أنهم أولا ردوا عليه دعوته، ثم آمنوا بعد ذلك، وثالثا: أن الله استثنى عليهم -هذه الأمة- لأن الله -سبحانه وتعالى- إذا جاءت أسباب العذاب وانعقدت أسباب العذاب فلا يفيد الإيمان بعد ذلك، كما قال الله -سبحانه وتعالى-: {فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ (٨٤) فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ (٨٥) } .