للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فقال له علي بن أبي طالب: تقسِّم كل سنة ما اجتمع إليك من مال، ولا تمسك منه شيئًا.

وقال له عثمان بن عفان: أرى مالًا كثيرًا يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر.

فسيدنا علي بن أبي طالب قال له: كل مال يأتيك فوزعه في الحال. لكن سيدنا عثمان كان له وجهة نظر أخرى وقال له: لا بدّ من تدبير الأمر وإحكام الأمر؛ حتى نضمن أن المال وصل إلى مستحقه فعلًا.

وقال الوليد بن هشام بن المغيرة: قد جئت الشام، فرأيت ملوكها قد دونوا ديوانًا، وجندوا جندًا، فدون ديوانًا وجند جندًا.

الوليد بن هشام بن المغيرة أبدى رأيه في هذا الأمر وقال له: يا أمير المؤمنين، الأفضل في هذه الحالة أن يكون هناك ديوان. ومعنى ديوان أنه تثبت فيه أسماء الناس وأعطيات الناس، وهذا أمر كان معروفًا عند الملوك وعند الدول قبل أن يفتتح المسلمون هذه الأراضي.

ولذلك نال هذا الرأي الأخير إعجاب الخليفة عمر بن الخطاب، وقرر إنشاء الديوان الأول في الإسلام، مستفيدًا من نظم الروم والساسانيين في تلك السبيل.

غير أن القواعد التي قررها الخليفة لهذا الديوان كانت إسلاميةً خالصةً, ووفق مراتب تحفظ لكل ذي حق حقه, ولا تغمط فرضًا قدره أو جهده, وشرح الخليفة الأسس التي قررها قائلًا: "ما من أحد إلا وله في هذا المال حقه أعطيه أو منعه, وما أنا فيكم إلا كأحدكم، ولكنا على منازلنا من كتاب الله, وقسمنا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فالرجل وتلاده في الإسلام، والرجل وقدمه في الإسلام, والرجل وغناه في الإسلام، والرجل وحاجته في الإسلام".

تلك كانت توجيهات عمر بن الخطاب عندما أراد وضع هذا الديوان الجديد, وعهد الخليفة عمر إلى عقيل بن أبي طالب، وابن نوفل، وجبير بن مطعم, عهد إليهم بتطبيق القواعد الجديدة التي قررها؛ إذ كان هذا النفر من كبار الصحابة من أوسع العرب علمًا بأنساب قريش, وقال لهم: "اكتبوا الناس على منازلهم" أي: على مقدار سابقتهم في الإسلام ومقدار قرابتهم للرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وذلك

<<  <   >  >>