ليكون التفاضل في العطاء قائمًا على هذين الأساسين, وهو الأساس الأول منزلة الناس في الإسلام، ثم قرابتهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وتم بذلك وضع أول نظام مالي إسلامي اشتهر باسم العطاء, يستند إلى العدالة من حيث التقرير والتطبيق؛ إذ حاول نفر من الناس حمل الخليفة على أن يبدأ قائمة العطاء بنفسه, ولكنه رفض وقال:"أبدأ ببني هاشم, قرابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أبدأ ببني هاشم حسب الأقرب فالأقرب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكان القوم إذا استووا في القرابة قدم أهل السابقة في الإسلام, وكان يفضل في العطاء أيضًا أهل المشاهد -وهم الذين شهدوا الغزوات والفتوحات الإسلامية.
وبلغ من دقة نظام العطاء أنه قرّر لكل مولود مائة درهم, فإذا ترعرع بلغ عطاؤه مائتي درهم, ومن الطريف في هذه القاعدة أنه لم يكن يفرض للمولود في أول الأمر حتى يفطم -أي حتى ينتهي من الرضاع- فأمر عمر مناديه أن لا تعجلوا بفطام أولادكم, فإنا نفرض لكل مولود في الإسلام, يعني يفرض له عطاء من بيت المال, وتجلت دقة نظام العطاء وسموه في الشريعة الإسلامية أن عمر بن الخطاب ساوى في العطاء بين العرب والموالي, وقرر للهرمزان الفارسي ألفي درهم, وكتب إلى أمراء الأجناد قائلًا: "ومن أعتقتكم من الحمراء -يعني: الموالي- فأسلموا فألحقوهم بمواليهم, لهم ما لهم وعليهم ما عليهم, وإن أحبوا أن يكونوا قبيلةً وحدهم فاجعلوهم أسوتهم في العطاء".
وكتب الخليفة أيضًا إلى أحد ولاته ممن أغفل شأن الموالي في العطاء قائلا: له فبحسب المرء من الشر أن يحقر أخاه المسلم, والسلام.
فكأن سيدنا عمر بن الخطاب بلغ من دقة نظره في هذا الأمر أنه جعل الموالي يعني الذين كانوا عبيدًا ثم أعتقوا جعلهم يتساوون مع المسلمين وحتى مع الذين أعتقوهم في هذا الأمر, ونال كل فرد إلى جانب العطاء المالي رزقًا عينيًّا،