وتولى رئاسة هذا الديوان على عهد معاوية أحد القضاة العدول، وهو عبد الله بن محصن الحميري، رغبة في توفير الأمانة للمسائل المالية، واتضح على عهد الخليفة عبد الملك بن مروان وابنه الوليد أن ديوان الخاتم وحده لم يعد كافيًا، وأن التنظيم المالي للدولة بات يتطلب تعريب ديوان الخراج في كل ولاية، باعتباره المؤسسة المالية الرئيسية المشرفة على الموارد، وكافة الشئون المتعلقة بها.
فكانت لغة دواوين الخراج في الولايات هي نفس اللغة التي اتبعتها قبل الفتح الإسلامي؛ إذ كانت لغة ديوان الخراج في العراق هي الفارسية، وفي الشام هي اليونانية، وفي مصر كانت اليونانية والقبطية، ولم يعد هذا الوضع يتفق مع اتساع سلطان الولاة العرب، وتعدد موارد الدولة، وصار الدافع على تعريب دواوين الخراج تمكين الولاة العرب من الإشراف إشرافًا تامًّا على شئون ولاياتهم المالية؛ إذ كان تدوين السجلات باللغات الأجنبية حافزًا شجع صغار العمال على التزوير، والتلاعب في السجلات، دون أن يُكتشف أمرهم.
وكان سليمان بن سعد الخُشني -كاتب الخليفة عبد الملك بن مروان على الرسائل- هو الذي تولى تعريب ديوان خراج الشام وذلك سنة ٨١ هجريًّة، وجاءت هذه الخطوة عملًا هامًّا في التنظيم المالي للدولة الإسلامية، حيث كان المشرف على هذا الديوان وأسراره منذ عهد معاوية هو منصور بن سرجون الرومي، ومنح الخليفة سليمان بن سعد مقابل هذا العمل الجليل خراج الأردن مكافئة له، وقدره مائة وثمانون ألف دينار.
وكان أبلغ تقدير لنجاح تعريب ديوان الخراج قول منصور بن سرجون لكتاب الدواوين القدامى من أصحاب اللغة اليونانية: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة، وهذا دليل على أنهم لم يكونوا أمناء في هذا الشأن؛ إذ أنه عندما اتجه