العرب في زمن الأمويين على تعريب الدواوين، وجعلها باللغة العربية، فإن هؤلاء الأعاجم -غير المسلمين الذين كانوا يقومون بالعمل في هذه الدواوين- وجدوا الخطورة عليهم من ذلك، واتضح أمرهم، واتضح أنهم كانوا مزورين، ويأكلون أموال الدولة بالباطل، ولذلك قال واحد منهم -وهو منصور بن سرجون لكتاب الديوان القدامى من أصحاب اللغة اليونانية-: اطلبوا المعيشة من غير هذه الصناعة، يعني: لم يعد لكم مكان في هذا الأمر، لم تعودوا تستطيعون الحصول على الأموال عن طريق التزوير، وغير ذلك، بعدما عربت هذه الدواوين، وتمكن الولاة العرب من الإشراف إشرافًا تامًّا على شئون ولاياتهم المالية.
وكان يشرف على ديوان الخراج بالعراق في ذلك الوقت رجل يسمى "زادان فروخ" من قبل الحجاج بن يوسف الثقفي، وتصادف أن قتل هذا العامل أثناء فتنة عبد الرحمن بن الأشعث بين سنتي ٨٢ و ٨٣ هجريًّة، وهو الأمر الذي سهل على الحجاج تحقيق سياسة الدولة المالية الجديدة، الساعية إلى تعريب الدواوين، إذ كلف الحجاج رجلًا يسمى صالح بن عبد الرحمن ممن كان يجيد اللغة الفارسية والعربية بتعريب ديوان خراج العراق، وقد حاول "مردان شاه" ابن "زادان فروخ" الذي قتل أن يدفع رِشوة لصالح بن عبد الرحمن حتى يثنيه، ويمنعه عن عمله من تعريب الدواوين، وأبى هذا العامل العربي، وأتم عمله بنجاح باهر، وتخرج على يديه نفر من كبار موظفي المالية العرب في العراق.
هذه الواقعة تدلنا على أن هؤلاء العمال غير المسلمين كانوا متمسكين بهذه المهمة، وهذا العمل، وهو العمل بالدواوين باللغة التي يعرفونها هم، ولم يعرفها المسلمون، ولم يكونوا يريدون تعريب الدواوين؛ لأنه بتعريب الدواوين سوف يفهم العرب الأعمال بدقة، وفي ذلك خطورة عليهم؛ ولذلك وجدنا هذا الرجل الذي يسمى "مردان شاه" يحاول أن يقدم رشوة لصالح بن عبد الرحمن من أجل ألا يقوم بتعريب الدواوين، ويستمر هو مكان أبيه في هذا العمل الذي كان يُدر عليه أموالًا طائلةً عن طريق التزوير.