الآثار موجودة في كتاب الأموال لأبي عبيد ص ٥٣٤ وما بعدها، حتى يعرف ما بقي من المال بعد أداء الدين, فيخرج زكاته, إن كان يبلغ نصابًا.
أيضًا ما روي عن ميمون بن مهران أنه قال: إذا حلت عليك الزكاة, فانظر كل مالك, ثم اطرح منه ما عليك من الدين, ثم زك ما بقي.
وما روي عن سليمان بن يسار أنه سئل عن رجل له مال, وعليه دين, أعليه زكاة؟ قال: لا, هذا إذا كان ما بقي من المال بعد أداء الدين لا يبلغ نصابًا.
وخصم الديون من المال المعد للزكاة يتمشى مع روح الشريعة الإسلامية, فالزكاة لا تشرع إلا عن ظهر غنى, كما أخبرنا بذلك النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا غنى عند المدين, وهو محتاج إلى قضاء دينه, كحاجة الفقير أو أشد, وليس من الحكمة تعطيل حاجة المالك, لدفع حاجة غيره.
ومما سبق نرى أن الدين الذي يستغرق النصاب كله أو بعضه, يمنع وجوب الزكاة في سائر الأموال؛ لأن الزكاة تفرض على أساس الطاقة, والسعة للمكلفين بها, وتحدد هذه المقدرة على أساس خلو ذمة المكلف من الديون, فضلًا عن أن الزكاة تؤخذ من الأغنياء لترد إلى الفقراء, والمدين لا يمكن أن تؤخذ منه الزكاة؛ لأنه يعد من الغارمين الذين يستحقون الزكاة, وهذا ما قرره أبو عبيد بقوله: إذا كان الدين صحيحًا قد عُلم أنه على رب الأرض, فإنه لا صدقة عليه فيها, ولكنها تسقط عنه لدينه, كما قال ابن عمر, وطاوس, وعطاء, ومكحول, ومع قولهم أيضًا أنه موافق لاتباع السنة, ألا ترى أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إنما سن أن تؤخذ الصدقة من الأغنياء فترد في الفقراء, وهذا الذي عليه دين يحيط بماله, ولا مال له, وهو من أهل الصدقة, فكيف تؤخذ منه الصدقة وهو من أهلها, أم كيف يجوز أن يكون غنيًا فقيرًا في حال واحدة؟ ومع هذا إنه من الغارمين أحد الأصناف