وتفريعًا على ذلك: فلا يكون في الكون من تجب عبادته والخضوع إليه بحق إلا الله سبحانه وتعالى، والتسليم بمالكية الله للكون دون أن ينفرد بسلطة الحكم فيه ينطوي كما ذكرنا على نوع من التناقض.
ولقد حاول الأستاذ المرحوم سيد قطب أن يصور ذلك فقال: فمن جهة الواقع نجد أن المشركين ما كانوا يشركون بالله الأصنام والأوثان وحدها، ولكن كانوا يشركون معه الجن والملائكة والناس، وهم ما كانوا يشركون الناس إلا في أن يجعلوا لهم حق التشريع للمجتمع والأفراد، حيث يسنون لهم السنن، ويضعون لهم التقاليد، ويحكمون بينهم في منازعاتهم وفق العرف والرأي، والإسلام يعتبر هذا شركًا، ويعتبر أن تحكيم الناس في أمور الناس تأليه لهم، وجعلهم أندادًا من دون الله، والله تعالى ينهي عن ذلك نهيه عن السجود للأصنام والأوثان، فكلاهما في عرف الإسلام سواء، شرك بالله ودعوة أنداد من دون الله.
ولقد نعى القرآن الكريم على الأمم السابقة أنهم يتخذون أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله فقال -عز وجل-: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(التوبة: ٣١).
وقد ذكر المفسرون أن معناه: اتخذوهم أربابًا فأطاعوهم في أمرهم لهم بالمعاصي وتحليل ما حرم الله وتحريم ما أحله، كما تطاع الأرباب في أوامرهم.
وفي العصور الحديثة نجد أن القوانين الوضعية تحتل لدى أنصارها والمدافعين عنها منزلة شبيهة بتلك التي كانت للأصنام والآلهة التي عبدت من دون الله تعالى، فهي عندهم بمنزلة النصوص الدينية، بل ربما كانت في مرتبة أعلى منها أحيانًا،