وهذا ينطوي على إقرار بالحق في التشريع لغير الله تعالى، يجب ألا يكون في مجتمعاتنا الإسلامية أو الشرقية إلا بمقدار ما تمليه ضرورات الحياة فيما لم يتعرض له الشارع باعتبار أو بإلغاء، أما ما اعتبره الشارع فهو الحق الذي يجب إتباعه، ولا نستبدل به غيره، وكذلك ما ألغاه يجب أن نجتنبه، ولو فعله أهل الأرض جميعًا.
وإذا كان الناس يدافعون عن باطلهم ويعجبون به أفلا يجب علينا أن نستمسك بالحق الذي هو تشريع الله تعالى وندافع عنه؟!
وفي القرآن الكريم تنصيص صريح على تفرد الله تعالى بالحاكمية في المجتمع الإسلامي، بل في الكون كله ففي سورة المائدة اختتمت الآيات الكريمة من الآية:(٤٤) إلى الآية (٤٧) بقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} ثم: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ} ثم: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ}
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قول الله تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ} و {الظَّالِمُونَ} و {الْفَاسِقُونَ} أن من جحد الحكم بما أنزل الله تعالى فقد كفر، ومن أقر به ولم يحكم به فهو ظالم فاسق، وليس بالكفر الذي ينقل عن الملة، ولكنه دونه، فهو كفر دون كفر، وظلم دون ظلم، وفسق دون فسق.
يظهر لنا -إذن-: أن النظام الإسلامي يقوم على الإقرار بحق الحاكمية لله تعالى لا يشاركه فيها أحد، وهذا بطبيعة الحال يؤدي إلى استقرار المجتمعات وخضوعها راضية لحكم الله تعالى فيما ينص عليه، ومستلهمة قواعد الوحي ومقاصده فيما لم ينص عليه.