تَفْعَلُونَ} يقول: فالمراد به الوعد الكاذب، وليس المراد به أمر الغير وترك الفعل.
ونحن لا نسلم بالرأي الذي لا يشترط العدالة فيمن يقوم بالحسبة والرقابة، ووجهة نظرنا في الأخذ بالرأي الذي يشترط العدالة في من يقوم بهذا الواجب ما يأتي:
- أن الإمام الغزالي اعترض على عدم منح هذا الحق للفاسق؛ لأن المنع منه يؤدي إلى اشتراط العصمة فيمن يقوم بهذا الوجه. يعني الإمام الغزالي عندما قال:"لا تشترط العدالة" استدل على ذلك بأننا لو اشترطنا العدالة، فمعنى ذلك أننا نشترط فيه أن يكون معصومًا، وهذا لم يقل به أحد. ونرى أن ذلك غير صحيح؛ فاشتراط العدالة لا يعني مطلقًا أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر معصومًا عن الخطأ، فالعصمة من الخطأ شيء واشتراط العدالة شيء آخر، ولم يقل أحد من أصحاب الرأي الذي يشترط العدالة بضرورة أن يكون من يقوم بهذا الواجب معصومًا من الخطأ.
ثانيًا: أننا لو أجزنا منح هذا الحق -أي الرقابة على الناس وعلى السلطة الحاكمة- للفاسق، ليأمر غيره ممن هو كذلك بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإن هذا -فيما نرى- يؤدي إلى ضياع هذا الواجب كليةً، فإذا قام هذا الشخص بالأمر بمعروف هو لا يؤديه، أو بالنهي عن منكر هو متلطخ بفعله غير متنزه عنه؛ فإن كلًّا منهما -المحتسِب والمحتسَب عليه- يكون له الحق -لو سلمنا بهذا الرأي- في ممارسة تلك السلطة على الآخر، وكل منهما يكون محتسِبًا ومحتسَبًا عليه في آنٍ واحدٍ، والواجب قبل أن يمارس كل منهما هذه السلطة على الغير أن يكفّ هو أولًا عمّا نهى عنها الشارع، وأن يمتثل لأوامره؛ حتى يكون محلًّا للاقتداء